ثقافة وفنون وتلفزة

مهرجان بنزرت الدولي: نجاح كبير ل”درابو” جعفر الڨاسمي وحضور جماهيري قياسي

” الدرابو ” يرفرف عاليا
   ”  الدرابو ” العرض المسرحي الحدث لجعفر القاسمي، الذي تابعه ما يزيد عن  12 ألف  متفرجا، في سهرة ليلية أمس الثلاثاء 25 جويلية بمسرح الهواء الطلق حافظ عيسى ببنزرت رفرف عاليا في سماء بنزرت و حاز رضاء كلّ الأطراف، إدارة المهرجان و جعفور و جماعته و خاصة الجمهور الذي ضحك و استمتع و لكن أيضا استوعب و فهم كلّ الرسال التّي أرسلت له بطريقة سلسلة و بلغة العصر خاصة لشريحة الأطفال و الشباب، الذين واكبوا  –  بطريقة غير معهودة لعرض مسرحي هو في الأصل موجه للكبار – خاصة إذا ما علمنا و أن الأطفال و الشباب عادة  لا تجلبهم  إلاّ عروض الراب و لكن عرض ” الدرابو ” كسّر هذه القاعدة و كان حضور الأطفال و الشباب يناهز نسبة الـ 30 بالمئة من جملة الحضور.

بقدر حب الوطن تفاعل الجمهور مع جعفور


       إذا عدّدنا المفاهيم المختلفة للمسرح من قبل بعض المنظرين، حيث ذهب البعض لاعتبار ” المسرح هو مدّ  ثوري أو لا يكون ” مرورا باعتبار ” المسرح أقراص هضم لما تنوء به معدات المتخمين ” فقد تبنى، جعفر القاسمي في مسرحية ” الدرابو ” مقولة أنّ ” المسرح وسيلة ترفيه و تثقيف ” و هذه أهم رسالة حولها محتوى العرض إلى الحضور و مفادها  استنهاض الهمم لحب الوطن و جعله أولوية الأوليات، مجسدا هذا التوجه منذ ضربة البلاد  عبر تحيّة العلم على أنغم النشيد الوطني التونسي في جوّ مهيب، خاصة حين تلاحظ حالة الانضباط  التي عليها الأطفال و الشباب عند تحية العلم.فذلك له دلالاته العميقة ، و ليجسّد ذلك تباعا ، بطريقة رمزية، الأحداث التي عاشتها تونس بمرّها أكثر من حلوها، خاصة منذ سنة   2011 ليقول للجمهور بطريقة ذكيّة و أنّ الأوطان غالية و علم الوطن هو الرمز الدال على ذلك، مجسدا الوطن عبارة عن حقل، ينتج من الخير الكثير و خاصة الغلال. و لكن أفضل الغلال يتم تصديرها للخارج  – و هي في الحقيقة إشارة إلى هجرة الأدمغة  –  و لكن أتعس الغلال هم  ” السّراق ” الذين  لم يتركوا في الحقل شيئا إلاّ و سرقوه و استولوا عليه. و بطريقة ايحائية يقول جعفر خلال العرض ” لقد سرقوا كلّ غلال حقل جدّي إلاّ غلّة واحدة و هي ” العوينة ” فقد استعصت عليهم لأنّها ” تجري الجوف ” و ما تعنيه كلمة ” العوينة ” و ما تحمله من اشارات. و يضيف ” جدّي أعلن لأحفاده عن وصيّة هامة و هو يحتضر و مفادها ” هوما  يسرقوا و احنا نزرعوا .. هوما يحرقوا و احنا انطفوا .. هوما يهدّوا و احنا نبنوا .. ” و لو يردّونا رماد لانا مسلمين فيها ها البلاد ” ليقول الجدّ قبل أن تعلو روحه إلى الرفيق الأعلى، و من أجل الحفاظ على العلم و ما يرمز له من حب الوطن  ”  انت قطعة من العلم و العلم ما يكمل كان بيك و القطعة هذه أمانة بين يديك “.

 

رسائل أخرى تضمنها العرض

       كما بعثت المسرحية بالعديد من الرسائل الأخرى، على غرار الابتعاد عن العالم المجنون لوسائل التواصل الاجتماعي، لأنّها مدمرة للأخلاق و مشجعة على الثلب و هدر الأخلاق و القيم. و أيضا تفادي المخدرات و كل ما من شأنه يذهب العقول داعيا الأولياء إلى مراقبة الأبناء،  فضلا عن  الدعوة الصريحة لصلة الرحم و البرّ بالوالدين و خاصّة الأم، واصفا إياها بأنّها هي الدّم الذي يجري في عروقنا و أنّها الحضن الدافئ و هي في النهاية ، الوطن. مذكرا أيضا بالرأفة باليتامى و فاقدي السند. ورسائل أخرى أيضا، تعلقت بالجحود و نكران الجميل لدى البعض و ذلك بطريقة ، الكوميديا السوداء، و لكنها تدمي القلوب، و تجسيد هذا النكران للجميل عبر بعض الحيوانات و على رأسها القطط و الكلاب و لكن بطريقة هزلية جعلت الجمهور يدخل في هستيريا من الضحك و لكنه يستوعب المقصود. المسرحية أيضا أشارت إلى علاقات الأجوار لدول المغرب العربي، ليبيا و الجزائر و المغرب و موريطانيا و على رأسها الشقيقة الكبرى مصر، و ذلك عبر تقليد لهجات هذه الدول و بعض الأغاني التي ترمز إليها، على غرار ” البسيسة ” من ليبيا،  أو أغنية  ” هذه ما شفتوهاش ” من الجزائر..و غيرهما.

اعتراف بالجميل  لبعض القامات المسرحية

       تحيّة اكبار و اعتراف بالجميل، بعثها كذلك جعفر القاسمي للعديد من القامات المسرحية، نذكر منها، هشام رستم و  عبد القادر مقداد و الأمين النهدي و نصر الدين بن مختار و غيرهم كثير، معبّرا في هذا الجانب على عشقه الكبير للمثل الكبير حسن المحنوش. و قد  جسد بعض مقاطع من دوره في مسلسل الدوار و لكن على طريقة جعفور.  حيث جسد مشهدا من ” الدوار ”  و لكن بلغة العصر الحالي ( 2023 ) و أعاد الحوار الذي دار بينه و بين أمّه في الدوار ، حيث طلبت منه أن يكون لها ” فايس بوك و  تيك اوك كيف جارتهم فتحية ”  و لكم أن تتخليوا موقف الابن من هذا الطلب لوادته المسنّة حيث الذي أجابها بصوت المحنوش ” يا أما .. يا أما .. هذا ما يخرجش علينا .. “. معرّجا، في نفس الإطار، على الابتعاد عن بعض القذارات الفنّية في بعض الأغاني و الدعوة إلى ” تنقية ” بعض كلماتها متسائلا عمّا تعنيه مثلا ” انحبو .. انحبو .. انحبو  و نكره أمّو “.

نجح  جعفور فسجد لتحيّة الجمهور
      نعم جعفور لك أن تسجد لله أوّلا و أيضا للجمهور الذي حضر العرض بأعداد غير متوقعة، فاقت كلّ التقديرات، و عليك أيضا أن تسجد لأنّ وراءك فريق متجانس من الفنيين في مختلف المتممات المسرحية، نذكر البعض  بالاسم الصغير – لعدم تمكننا من الحصول على كل الأسماء كاملة، و هم خليل ( الإضاءة ) وصابر ( الصوت ) و الممثل طارق البعلوش و منسقة العرض العامة، نبيلة القاسمي و مديرة الإنتاج للمتألقة نجاح القاسمي، علما و أنّ النص و الإخراج هو لجعفر القاسمي، الذي لم يخف فرحه و رضاءه عن  ” الدرابو ” عندما التقى الإعلاميين خلال الندوة الصحفية التي التأمت بعد العرض، مباشرة، حيث أجاب على كلّ التساؤلات التي كانت في أغلبيتها مشجعة و إيجابية.

            مواكبة الأمين الشابي  

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى