ثقافة وفنون وتلفزة

العربيّة والتّرجمة إلى اللّغات الأخرى”

طرح المشاركون في ندوة “الأدب التّونسيّ باللّغة العربيةّ والتّرجمة إلى اللّغات الأخرى” والّتي انتظمت يوم الثّلاثاء 7 فيفري 2023 في إطار البرنامج الثّقافيّ للدّورة الرّابعة للمعرض الوطنيّ للكتاب التّونسيّ بالاشتراك مع معهد تونس للترجمة مجموعة من الأسئلة حول واقع التّرجمة وتحدياتها.
شارك في النّدوة الأساتذة بشير قربوج، ومحمد القاضي وفتحي نقّة وأحمد الصمعي وأدارها الأستاذ رضا بن صالح.
في بداية اللقاء ثمّن السيّد يونس السلطاني مدير الدّورة الحاليّة لمعرض الكتاب التّونسيّ مثل هذه الشراكات الّتي أُبرمت مع عديد الأطراف ومن بينها معهد تونس للترجمة مما ساهم في تنظيم ندوة حول ترجمة الأدب التّونسيّ المكتوب باللغة العربيّة إلى لغات أخرى بمشاركة ثلّة من الجامعيّين، فيما تحدّثت السيّدة زهيّة جويرو مديرة معهد تونس للترجمة عن دور المعهد وإصداراته.
بعد أن وضع الأستاذ رضا بن صالح النّدوة في إطارها طارحا جملة من الأسئلة والمحاور، استهلّ الأستاذ بشير قربوج المداخلات منطلقا من ترجمته لكتاب “حدث أبو هريرة قال” لمحمود المسعدي للّغة الفرنسيّة والّتي أخذت منه بين 16 إلى 17 شهرا من العمل، مشيرا إلى أن التّرجمة تتطلب البحث عن الدّقة والقرب من النصّ والسّعي لتكون التراكيب قريبة ما أمكن من النصّ الأصليّ.
كما أكد أنَّ التّرجمة تتطلب معايشة للنصّ وبحثا عن نوع من النسق أو الموسيقى الّتي تستدعي جهدا لإيجادها وهنا تكمن المتعة الّتي تحمل نوعا من التحدّي ما يجعل المترجم مسكونا بالنصّ من أجل الوصول للصيغة الأقرب لترجمته.
وفي ذات السيّاق قال الأستاذ محمد القاضي أنَّ الترجمة تتطلب الإجابة عن جملة من الأسئلة لعل أهمّها “من يترجم”، وعاد بالذاكرة لسنة 1986 حيث شارك في مؤتمر دوليّ في الجزائر حول تحليل الخطاب حيث التقى بمستشرقة غيّرت طريقته في التّرجمة بسؤالها عن مشاريعه المستقبليّة حيث أكد أنه يفكر في ترجمة نصوص عربيّة إلى الفرنسيّة، فأشارت أنه من الأفضل أن يقوم بالعكس، وهو ما كان فعلا وانصرف عن الفكرة وركّز على ما يعجبه من الكتابات باللغة الفرنسيّة وترجمتها وتعدّدت التّرجمات بعد ذلك.
وبيّن الأستاذ محمد القاضي في مداخلته أنّ اختيار النصوص المُزمع ترجمتها يجب أن يراعي أفق انتظارات القرّاء، فهم من يفرضون النصوص الّتي يريدون قراءتها من اللغات الأخرى.
وبعد ربع قرن تقريبا، أُتيحت له فرصةُ لإنجاز كتاب مشترك مع الناقد المغربيّ سعيد يقطين حول “رهانات الرّواية العربيّ” منطلقا من التساؤل حول موقعها عالميّا، مشيرا أنّ روائيّا عربيّا واحدا فاز بجائزة نوبل للآداب فيما لم يرتق روائيون عرب إلى العالميّة.
واشتغل على العوامل الّتي حالت دون ذلك، فتوقّف عند التّرجمة كوسيلة لانتشار الرواية العربيّة ورواجها واكتساحها للأسواق العالميّة، وتساءل “ماذا ترجمنا منها؟” وأجاب أنّ عدد الروايات العربيّة المترجمة قليلة نسبيّا.
وتحدّث الأستاذ القاضي عن الحلقة المفقودة في عمليّة صناعة الرّواية، وهي توزيعها وترويجها، وأشار إلى أنّ ثمّة أعمالا لا نرشحها للترجمة تجد من يترجمها وتحظى بإقبال ورواج كبيرين.
واستشهد برواية “بنات الرياض” للسعوديّة “رجاء الصانع” والّتي حققت رواجا غير مسبوق وتُرجمت لعديد اللّغات كان أوّلها اللّغة الإنجليزيّة في أهمّ دار نشر إنجليزية رغم أن أغلب النّقاد أجمعوا أنّها “عمل تافه” ولا ترتقي لمصاف الأعمال الأدبيّة، بل اعتبر كثيرون أنّ قيمتها ليست أدبيّة بقدر ما هي أنثروبولوجية فتحت نافذة بنظر من خلالها الغرب لعالم مغلق وهو عالم المرأة السعوديّة.
وخلص القاضي إلى أنّ الغرب يترجم ما يرى أنّه يمكن أن يحظى برضا القارئ ويرضي فضوله، مؤكدا أنّهم “يترجمون ما يعكس توجهاتهم دون اعتبار لخصوصياتنا”.
في مداخلته، تحدّث الأستاذ أحمد الصمعي عن أوّل تجربة له مع التّرجمة، حين ترجم كتابا بعنوان “خرافات إيطاليّة” واعتبرها تجربة صعبة نظرا لأن الكاتب الأصليّ أخذ القصص من مختلف مناطق إيطاليا باللهجات المحكيّة وجمعها في كتاب باللغة الإيطاليّة، كما أنّ بُعده عن اللغة العربيّة لعشر سنوات قضاها في الدراسة في فرنسا صعّب من المهمة.
بعد هذه التّرجمة تلقّى عرضا من أحد الناشرين لترجمة “اسم الوردة” لامبرتو إيكو وقبل التّحدي رغم صعوبة التّرجمة والّتي مثّلت المنعرج في نشاطه الجامعي ليترجم بعدها عددا من كتب ايكو مثل:جزيرة اليوم والسابق” و”مقبرة براغ” و”العلامة: تحليل المفهوم وتاريخه”، وهي ترجمات أتت بترجمات أخرى لكتّاب آخرين وفي مجالات أخرى غير الأدب مثل الفلسفة كان آخرها كتابا حول تاريخ آخر المسلمين في إيطاليا صدر في خريف 2022.
وتحدّث عن تجربة معهد تونس للترجمة والّذي أسهم في ترجمة الأدب التّونسيّ للغة الإيطاليّة مثل “حروف الرمل” لمحمد آيت ميهوب و”أغاني الحياة” لأبي القاسم الشابي وأنطولوجيا الشّعراء التّونسيّين الأحياء” والّذي ضمّ 25 شاعرا. وختم الأستاذ الصمعي مداخلته بالسؤال عمّن يقرأ هذه التّرجمات عدا المهتمين من مدرّسين وطلبة أمام قلّة الترويج لها وتسويقها.
في مداخلته أشار الأستاذ فتحي نقّة إلى أنَّ أغلب طلبة اللّغة العربيّة في معهد بورقيبة للّغات الحيّة هم إيطاليون، وفي سياق ترويج الأدب التّونسيّ أبرم المعهد عدّة اتفاقيات مع جامعات إيطالية تهتم بالأدب العربيّ في سياق مشروع ضخم للتعريف بالأدب التّونسيّ من خلال التّرجمة.
وعرّج الأستاذ نقّة على ذات الحلقة المفرغة وهي غياب آليات التّوزيع والتّسويق والتّعريف بالكتاب المترجم، وطالب بضرورة تظافر الجهود من أجل ذلك، داعيّا سفارات تونس في الخارج بالقيام بدور أكبر فيما يتعلق بدعم الكتاب التّونسيّ في دول العالم.
هذا، وشهدت النّدوة نقاشا بين الأستاذة المتدخلين والجمهور الحاضر حول بعض النقاط والأسئلة الّتي أثيرت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى