الوطنية

بالوثائق: الكشف عن معطيات بشأن استغلال فرنسا للثروات الباطنية التونسية

كشفت هيئة الحقيقة والكرامة عن جملة من المعطيات التي توصلت اليها في وثائق أرشيفية وتتعلق باستغلال المستعمر الفرنسي للثروات الباطنية التونسية.

وفي تقرير أصدرتة يوم الاربعاء، كشفت هيئة الحقيقة والكرامة عن حقائق تتعلق بتدخل المستعمر الفرنسي في الاختيارات الاقتصادية لدولة الاستقلال واستغلال ثرواتها الباطنية من ذلك وجود قبل الاستقلال لاستغلال الثروات الباطنية.

وأفادت هيئة الحقيقة والكرامة في تقريرها أن سلطة الاحتلال الفرنسي قامت بتكوين شركات منحتها حقوق استغلال الحقول النفطية والمقاطع في اطار لزمات أو عقود استغلال أو رخص تفتيش لضمان وضع يدها على الثروات البطانية بالأراضي التونسية.

ونشرت وثيقة تظهر تكوين الاحتلال الفرنسي عشر شركات مختصة في استخراج خبايا الأرض من بينها أكثر من 10 شركات ناشطة في مجال استغلال النفط والغاز والملاحات (وثيقة عدد 1).     

وأقرت فرنسا جملة من التشريعات للحفاظ على تحكمها في الثروات مع تنامي مطالب الاستقلال وسعيا لاستغلال المفرط للموارد النفطية. ومن بين هذه التشريعات أصدرت فرنسا الأمر العلي الصادر عن الباي بتاريخ 13 ديسمبر 1948 والمتعلق باحداث تدابير خصوصية لتسهيل التفتيش عن المواد المعدنية يسمح للشركات الفرنسية باستغلال المواد المواقع المكتشفة في مجال المواد المعدنية “النفطية” لمدة 99 سنة وبتوسيع مساحة مواقع الاستغلال لكل مستكشف من 400 هكتار سنة 1913 ( الأمر العلي الصادر في 29 ديسمبر 1913) الى 70 كم مربع سنة 1948 حسب الاتفاقيات الممضاة مع شركات “سيرابت وإيراب”.

 كما يسمح الأمر باستغلال المواقع المُكتشفة دون ترخيص إضافي وبخلاص أتاوة الاستغلال بالفرنك الفرنسي أو بالعملة الوطنيّة. في حين أنّه في ذلك الوقت لم تُحدث بعدُ العملة الوطنيّة (الدينار التونسي) وهو مايؤشّر إلى ديمومة هذا الوضع في المستقبل (الفصل 7 من الوثيقة عدد 2 —– مع —– الفصل 19 من الوثيقة عدد 3 ).

وأقرت فرنسا كذلك  أمرا صدر سنة 1949 يمنح حقّ الاستغلال لشركة ” COTUSAL ” المكوّنة نتيجة اندماج مجموعة شركات فرنسيّة للملاّحات، مع تمتيعها بدفع أتاوة استغلال تُحتسب باعتماد أدنى سعر من السلّم العامّ لاستغلال أراضي الدولة التونسيّة (الفصل 6 من الوثيقة عدد 4).

وذكرت هيئة الحقيقة والكرامة أن هذه الاتفاقيات لم تضمن الحقوق الدنيا لحماية مصلحة البلاد التونسيّة  وتؤكّد أنّ فرنسا سعت للإبقاء على صلاحيات استعماريّة في دولة على أبواب “الاستقلال”. وشددت هيئة الحقيقة والكرامة على أن دولة الاستقلال لم تقم  بمراجعة هذه الاتّفاقيات وتحسين مردوديتها. حيث كلّما تقدّم مُنافس للشركات الفرنسيّة بعروض أحسن على غرار شركة ENI الايطاليّة في مجال الاستكشاف والاستغلال وتكرير النفط (الرئيس المدير العامّ أغتيل في 27 أكتوبر 1962)، كلّما تمكّنت الدولة التونسية من قدرة تفاوضيّة أحسن.

امتيازات فرنسيّة في اتّفاقية الاستقلال الداخلي لم تُلغها اتّفاقية الاستقلال التامّ في 20 مارس 1956 (وثيقة عدد 5) 

 تقرير هيئة الحقيقة والكرامة أشار الى أن فرنسا قامت بتضمين فصلين باتّفاقيّة الاستقلال الداخلي في جزئها الاقتصادي، هما الفصلان 33 و 34 ، ولم يقع إلغاؤهما باتّفاقيّة الاستقلال التامّ التّي تعرّضت للجوانب الامنيّة فقط وتغاضت عن المسألة الاقتصاديّة والماليّة وذلك في إطار حمايتها لمصالحها الاستعماريّة. وتضمّن هذان الفصلان (وثيقة عدد 6) التزام الدولة التونسيّة بمنح حقّ الأفضليّة للمشاريع الفرنسيّة عند تساوي الشروط للحصول “على رُخص التفتيش والاستثمار وعلى اللزم” وعدم قدرة الدولة التونسيّة على تغيير آجال اللزمات والاتّفاقيات ورُخص التفتيش والاستثمار المبرمة أو الممنوحة إلاّ بموافقة الطرف الفرنسي”.

 امتيازات استغلال الثروات الباطنيّة التونسيّة بعد الاستقلال بطريقة مُجحِفة

 التقرير ذاته أظهر أن السلطات الفرنسيّة استمرّت  في استغلال الدولة التونسيّة واستنزاف ثرواتها عبر استغلال الأراضي التونسيّة لنقل البترول من الجزائر بما لا يضمن حقوق الدولة التونسيّة حيث قامت فرنسا بتكوين شركة TRAPSA بمقتضى اتّفاقيّة مع البلاد التونسيّة سنة 1958 لمدّ أكثر من 510كلم من إجمالي 775 كلم مربّع من قنوات نقل البترول من “عين أميناس” بالجزائر إلى ميناء الصخيرة. وأشارت الهيئة في هذا الشأن الى أن الحكومة التونسية لم تكن طرفًا في النقاش مع الجانب الجزائري حول هذه الاتّفاقيّة وهو ما أضرّ بالحقوق التونسيّة. حيث أوكلت الحكومة التونسيّة التفاوض مع الجزائر حول استغلال الأراضي التونسيّة إلى الشركة الفرنسيّة TRAPSA (وثيقة عدد 7).

 وبينت الهيئة أن الحكومة التونسيّة لم تُطالب بتحيين قيمة عوائدها من عمليّة نقل البترول ولم تُحاول الحكومة التونسيّة أن تضع آليات تضمن لها التأكّد من الكميّة المنقولة لتكون أساسًا للأتاوة المجبيّة. ولاحظت هيئة الحقيقة والكرامة أن هذه الاتّفاقية لم تضمن  الحقوق الدنيا للبلاد التونسيّة ( أتاوة استغلال وضرائب محدودة غير قابلة للمراجعة لمسايرة نسق تطوّر الأسعار) وذلك حسب اعتراف السلطات الفرنسيّة. وقد تزامنت عمليّة تأميم الجزائر لثرواتها الباطنيّة سنة 1971 ، مع تراجع مداخيل الدولة التونسيّة من اتاوة نقل البترول عبر شركة TRAPSA ، حسب ذات التقرير.

 ونشرت الهيئة وثيقة وهي مراسلة من السفير الفرنسي (وثيقة عدد 7) تُبيّن أنّ وزير الاقتصاد الوطني بالحكومة التونسيّة أبدى امتعاضه من الوضعيّة الجديدة ونقص مداخيل الدولة التونسيّة، لكنّ الحكومة التونسيّة أوكلت التفاوض من جديد مع الجانب الجزائري للدولة الفرنسيّة. وفي ما يخص الاستغلال المُجحف للثروات الباطنيّة التونسيّة، ذكرت الهيئة أن الشركة الفرنسيّة TRAPSA تولّت عمليّة نقل البترول التونسي المُستخرَج من حقول البُرمة والبالغ 4 مليون طن سنويّا.

 وأشارت الهيئة في هذا الجانب إلى أن الحكومة التونسيّة  لم تتولّ مُناقشة عمولات النقل أو المطالبة بالمساهمة في رأس مال الشركة و الى أن السفير الفرنسي بتونس كان على علم بكلّ ما تُنتجه الحقول التونسيّة ويتدخّل في كلّ القرارات المُتعلّقة بالاستثمار أو التوسعة (حتّى في باب بناء محطّة تكرير النفط بجهة قابس بقدرة انتاجيّة تكفي استهلاك البلاد بأكثر من 5 مليون طن وذلك وفق وثيقة تحصّلت عليها الهيئة) (وثيقة 8+9+10).

 وخلص التقرير الى أن الحكومة التونسيّة لم تُحاول أن تضمن الحدّ الأدنى من حقوقها على ثرواتها الطبيعيّة (محاولة التأميم) حيث كان أقصى طموحها حسب تقييم السفير الفرنسي بتونس سنة 1972 أن تُبقي على نصيبها من أتاوة نقل TRAPSA مستقرّة ولم ترغب حتّى في وضع يدها على شركة تستغلّ مجالها البرّي وموانئها لتقل البترول المستخرج من أراضيها (وثيقة عدد 7).

 وأوضحت الهيئة مثالا يكشف مدى خسارة الدولة التونسيّة بسبب هذه الاتّفاقيات المُجحفة مشيرة الى أن إنتاج الحقول النفطيّة التونسيّة بلغ خلال سنة 1971 الى 4 مليون طن ما يعادل 30.4 مليون برميل كما هو مضمّن من خلال محضر جلسة الوزير الاوّل التونسي وسفير فرنسا ( وثيقة عدد 11) في إطار تشجيع الشركات الفرنسية للاستثمار في المجال النفطي نظرًا للتسهيلات والتشجيعات الممنوحة. ولم تتجاوز مداخيل الدولة التونسيّة من البترول خلال نفس الفترة 300 مليون فرنك فرنسي أي ما يعادل 550 ألف دولار أمريكي أي بمعدّل 0.2 دولار على كلّ برميل (سعر برميل البترول سنة 1971 في حدود 3.6 دولار) أي مردوديّة لا تتجاوز 6% من السعر المتداول (وثيقة عدد 11).

 ولم تضمن الدولة التونسيّة أدنى حقوقها في مجال استخراج البترول إلاّ بمناسبة اكتشاف حقل بجهة البُرمة خلال سنة 1961 أُسند حقّ استغلاله الى شركة SITEP وهي شركة أُنشئت بالشراكة بين الدولة التونسيّة والمجموعة الإيطالية ENI بحساب 50 / 50 .

 لم تستسغ من جهتها الشركة الفرنسيّة SEREPT منح حقّ الاستغلال لشركة منافسة، فطالبت السلطات التونسيّة بالتعويض عن الأضرار اللاحقة بها وكان لها ذلك (وثيقة عدد 12+13).

 وخلصت هيئة الحقيقة والكرامة في تقريرها الى أن الشركات الأجنبيّة وتحديدا الفرنسيّة منها قامت  باستغلال فاحش لموارد البلاد التونسيّة الباطنيّة وكان للشركات الفرنسيّة نصيب الأسد من هذه التراخيص ( 7شركات فرنسيّة من جملة 15 شركة) وأكدت أن  الاستغلال الفاحش للموارد الباطنيّة التونسيّة يعود  لما تضمّنه الفصلان 33 و 34 من اتّفاقيّة الاستقلال الاقتصاديّة والماليّة، ولما أقرّته دولة فرنسا الاستعماريّة من اتّفاقيات بشروط مجحفة.

 ولاحظت وجود بعض الاتّفاقيات التي تضمن الحدّ الأدنى من حقوق الدولة التونسيّة خاصّة كلّما وقع اللجوء إلى المنافسة مع شركات منافسة للشركات الفرنسيّة. وأكدت على ضعف القدرة التفاوضيّة للحكومة التونسيّة مع شركات المستعمر الفرنسي مقارنة بالجار الجزائري وذلك راجع للاتّفاقيّة النهائية للاستقلال أو للوضعيّة السياسيّة الداخليّة بعد الاستقلال. ورغم اختلال التوازن في مناقشة الصفقات الاقتصادية الهامّة إلاّ أنّ حكومة الاستقلال حاولت ما في وسعها لإضفاء بعض التوازن على هذه العلاقة، إلاّ أنّها تبقى دون المأمول ولم تف بمتطلّبات الحقبة التاريخيّة، حسب نص التقرير .

المصدر:حقائق أون لاين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى