تاريخ ثري وحضارة عريقة: وكالة إحياء التراث تُعيد بريق مدينة بلاريجيا الأثريّة ومتحف شمتو
تزامنا مع اليوم العالمي للمرأة، نظّمت وكالة إحياء التّراث والتنمية الثقافيّة يوم 8 مارس 2023، زيارة مؤطرّة للصحفيين للموقعين الأثريين بلاّريجيا وشمتو ومتحف شمتو الأثري ، وذلك تحت إشراف وزارة الشؤون الثقافية وبالتعاون مع المعهد الوطنيّ للتّراث والمندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بولاية جندوبة.
تأتي هذه الزيارة للمعالم التاريخية والأثرية بالشمال الغربي، والتي شارك فيها عدد من الصحفيين من مختلف وسائل الإعلام الوطنية والدولية، في إطار التعريف بالتّراث الثقافي والحضاريّ والترويج له ونشر الثقافة المتحفيّة والتشجيع على السياحة المستدامة بتقديم أفضل صورة لتونس الحضارية والثقافيّة، وتجسيما للاتفاقيّة المبرمة بين وزارة الشؤون الثقافية والنقابة الوطنيّة للصحفيين التونسيين. وكان قد أشرف على انطلاق فعاليات هذه الزيارة، المدير العام المكلف بتسيير وكالة إحياء التّراث والتنمية الثقافيّة داودا صو، رفقة والي جندوبة سمير كوكة وبحضور أسامة الدريدي معتمد جندوبة الشمالية و احمد الشوباني المندوب الجهوي للشؤون الثقافية بولاية جندوبة وعدد من إطارات الوكالة والمندوبية.
رسمت الوكالة مسلك سياحي استكشافي منظّم لهذه الزيارة، حيث انطلقت رحلتُنا بالتمتّع بمعرض خاصّ بالتراث غير المادي يتمثل في منتجات تقليدية وليدة صناعة يدوية لحرفيات الجهة، اللاتي عرضن منتجاتهنّ على غرار المرجان والزربية الخميريّة والعود الأصفر واللّباس التقليدي المحليّ والعنبر والقشبية والقفة التقليدية وغيرها. كما أبدع كل من بدرالدين بوسليمي وجهاد معروفي في التعريف بتاريخ الجهة ونقل تراثها الخاصّ عن طريق عرض فرجوي من التراث الشفوي بعنوان”غناية وحكاية”.
وتولى محي الدين الشوّالي، أستاذ بحوث ومتفقد جهوي بالشمال الغربي بالمعهد الوطني للتراث، مهمّة السفر بنا عبر الزمن والغوص بنا في تاريخ بلادنا وحضارتها وذلك عبر تقديم معطيات تعريفية وتاريخية عن المتحف الأثري ببلاريجيا وعن متحف شمتو الأثري.
بمجرّد أن وطأت أقدامنا موقع بلاريجيا الأثري المبلّط بأحجار صوّانية ، والذي يمسح بين 70 و80 هكتارًا، أخذنا جمال قوس النصر، وعراقة الساحة العامّة، والكابتول. كما جعلتنا الفنون المعمارية للمعابد، والمنازل ذات الطوابق العلوية و السفليّة، نشهد على تاريخ حضارات عريقة كانت تُبدع في ترك آثارها وبصماتها.
يقول الأستاذ الشوالي :
“بلاريجيا هي من أحسن ومن أجمل المواقع الأثرية بالشمال الغربي، أقدم الشواهد التاريخية في بلاريجيا ترقى إلى فترة فجر التاريخ ، وترقى إلى قرون 11 و 12 ميلادي ، الفترة الإسلامية الوسيطة وبينهما لدينا عديد الحضارات التي تعاقبت على هذا الموقع ، الحضارة النوميدية ، الحضارة البونية والرومانية بشمال إفريقيا والوندالية والبيزنطية”.
وواصل أستاذ البحوث والمتفقد الجهوي بالشمال الغربي بالمعهد الوطني للتراث قائلا ‘‘ ما يُمكن زيارته في بلاريجيا هي المسارح، المسرح الدائري، المسرح النصف الدائري، المعابد – معبد الآلهة المصرية إيزيس ومعبد أبولون، الحمامات وما يُميّز موقع بلاريجيا هو وجود منازل ذات طابق تحت أرضي لا مثيل لها في العالم ، منزل الآلهة فينيس ومنزل الصيّد الجديد ومنزل الطاووس ومنزل الكنز ومنزل الصيد البري والبحري”.
ويُفسّر الباحث أنّ تلك التسميات تعود لأهمّ ما وقع اكتشافه في المنازل موضحا على سبيل الذكر، أنّ تسمية ”منزل الكنز” ناتجة عن العثور على كنز به 69 قطعة نقدية في السنوات الخمسين، أيضا تمّ تسمية ”منزل الصيد” نظرا لوجود لوحة فسيفساء تُزيّن إحدى المنازل تروي الحياة اليومية والصيد في تلك الحقبة التاريخية.
وفي تعريفه لتسمية بلاريجيا يقول الشوالي ” في الأصل التسمية هي بولا ريجيا ، بولا هي التسمية الأصلية النوميدية البربرية ، ريجيا هو نعت وقع إضافته في الفترة الرومانية ، ريجيا باللاتينية تعني الملكية”.
تقع بلاريجيا بسفح جبل ربيعة المرتفع بنحو 649 م، على منحدر ضعيف مشرف على سهل مجردة، وهي على الطريق العتيقة الواصلة بين قرطاج وعنّابة (هيبون) والموافقة للطريق العصرية المخترقة للموقع الأثري. وهي أيضا قريبة جدّا من الفجّ المؤدّي إلى ميناء طبرقة عبر جبال خمير، ومن مصبّات عدّة أودية في مجردة.
بعد أن سافرنا عبر الزمن في معالم بلاريجيا مدينة الحضارة ، وطأت أقدامنا آثار العهد النوميدي بالموقع الأثري ”شِمْتُو” و هو موقع أثري تونسي يقع قرب مدينة جندوبة يرجع تاريخه إلى القرن الخامس قبل الميلاد، ومن أبرز معالمه ضريح أقامه الملك الأمازيغي النوميدي مكيبسا لوالده ماسينيسا.
اقترن اسم الموقع بدرجة كبيرة برخام أصفر ووردي يستخرج من مقاطع توجد به. تمت حملة واسعة للحفريات وتهيئة للموقع في إطار التعاون التونسي الألماني يضم كذلك الموقع متحفًا.
يقع متحف شمتو الأثري بالموقع الأثري بشمتو بالشّمال الغربي التّونسي، على بعد 20 كم من مركز مدينة جندوبة ويمتدّ على مساحة 1500 متر مربع.
يحتوي المتحف على أربع قاعات عرض موزّعة على ثلاثة أجنحة. ويضمّ بهوا مركزيّا مفتوحا تُعرض فيه واجهة المعلم الملكيّ النّوميدي، ويعود افتتاحه إلى سنة 1997.
يعتبر متحف شمتو الأثريّ، ذو التصميم العصريّ، ثمرة تعاون دوليّ تونسيّ ألماني في مجال المتحفيّة وعلم الآثار امتد على ثلاثة عقود من 1965 إلى 1995. ويتميّز بوجوده في مقطع رخام قديم يعود للعهد الروماني ما يزال مستغلاّ إلى يومنا هذا.
يهدف المتحف إلى شرح كيفية استغلال الرخام في ذلك العهد وعرض بعض الآثار التي عثر عليها في موقع المدينة النوميدية ثم الرومانية القديمة.
موقع شمتو عُرف على مرّ التاريخ بمقاطع الرخام الأصفر والأحمر الراجعة بالملكيّة لأباطرة الرّومان وانطلق استغلالها خلال القرن الثاني، فيما ساهم تموقع شمتو الاستراتيجي قرب وادي مجردة بتكثيف عمليات تصدير هذا الرخام. وقد استأنف اقتطاع الرخام بشمتو في القرن التاسع عشر.
تأخذكم وكالة إحياء التّراث والتّنمية الثّقافية في هذا الشّريط المصوّر، في زيارة إلى متحف شمتو الأثري من ولاية جندوبة للتّعرف على هذه التّحفة المعماريّة الشّاهدة على تاريخ تونس.
الزيارات التي قامت بها الوكالة، شملت مواقع قرطاج وسوسة والمنستير والقيروان وتستور ودقة وذلك للتعريف بالمواقع الأثرية والمعالم التاريخية والمتاحف وإبراز خصوصياتها والترويج للإرث الثقافي والحضاري الذي تزخر به تونس في الداخل والخارج.
تواصل وكالة إحياء التراث في إطار استراتيجية مميّزة القيام بزيارات منظمة لعدّة معالم أثرية أخرى وفقا لما أكّده داودا صو، المُكلّف بخطّة مُكلف بتسيير الوكالة إحياء التراث. وتمّ تنصيب السيّد صو يوم الاثنين 6 مارس 2023 في ظلّ حضور إطارات وأعوان الوكالة الذين عبروا عن تمنياتهم له بالتوفيق والنجاح في تسيير المؤسسة.
من هو داودا صو ؟
داودا صو أصيل دولة موريتانيا ، متحصّل على الجنسية التونسية بعد أن عاش أكثر من نصف قرن في تونس.
اشتغل داودا صو بالمعهد الوطني للتراث ثم تقلّد بوكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية عدّة خطط منذ 1993 حيث شغل خطة مدير الدراسات والبرمجة والتعاون الدولي ثم مدير عام مساعد و مكلف بمهمة بوزارة الشؤون الثقافية.
أبدى السيّد صو الموريتاني الأصل كفاءة عالية وحرفية كبيرة في كل المهام التي كلف بها، وكان ولعه بالتراث والتاريخ الأصيل للبلاد التونسية جعله يُشرف على إنجاز عدّة كُتب بالوكالة مثل كتاب ” باردو” و كتاب ”قرطاج” وغيرها من الكتب العديدة.
أبرز إنجازات وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية
سعت الوكالة منذ نشأتها لإنجاز مشاريع كبرى تستجيب لأهداف ثقافيّة وتربويّة وبيئيّة واجتماعيّة وسياحيّة واقتصاديّة أهمها:
– إنشاء المنتزه الأثري بقرطاج سيدي بوسعيد ودقة وسبيطلة و أوذنة
– تهيئة قصر البارون ديرلانجي بسيدي بوسعيد الذي يحتضن حاليا مركز الموسيقى العربية والمتوسطية
– إعادة تأهيل أقدم منشآتها، مثل متحف باردو الشّهير، ومتاحف: النّفيضة ونابل والجم ومتاحف الفنون والتّقاليد الشعبيّة بالمنستير وحومة السّوق بجربة.
– فتح مواقع جديدة للزّائرين منها برج الحمّامات وطبرقة وقليبية وبرج غازي مصطفى بجربة والمهديّة ورباط سوسة وجامعها الكبير ورباط المنستير، وموقع المقاطع القديمة بالهوّارية والدّواميس المسيحيّة بسوسة ومواقع “فرادي مايوس” و “سيدي خليفة” بسوسة و”نيابوليس” بنابل وموقع الرّماديّة بقفصة
– ترميم وتهيئة وإحياء مركز تقديم تاريخ ومعالم مدينة تونس بالقصبة بالتّنسيق مع المعهد الوطني للتّراث
– إصلاح عدّة أجزاء من الحنايا الرّومانية زغوان – قرطاج
– إثراء شبكة المتاحف بإنشاء وحدات جديدة بالمكنين أو شمتو أو متحف الصّحراء بدوز
– إحداث وتهيئة متاحف بالتعاون أو لفائدة أطراف أخرى مثل المتحف العسكريّ الوطني (بقصر الوردة) أو متحف خطّ مارث أو متحف الحرس الوطني أو متحف السّينما.
يسرى رياحي