عودة الممارسات الاقصائية بقوة
كتب: الأمين الشابي
مرّة أخرى نهرع للقم و القرطاس لأبثّهما ما يحصل في وطني من مواجع و من تصرفات كنا نعتقد أنّها ولّت و ذهبت بغير رجعة و لكن، للأسف، الواقع يكذّب في كل مرّة ذلك. و لرفع اللبس عن هذا الغموض نقول أنّه بعد أن مرّت معضلة تعديل القانون الانتخابي الإقصائي بسلام و الحمد لله أنّه لم يصادق عليه رئيس الجمهورية السابق المرحوم الباجي القايد السبسي و تنفس جلّ التونسيين الشرفاء و الأحرار الصعداء فها هي مرّة أخرى تطل علينا هذه الممارسات الاقصائية بشكل آخر و بلحاف آخر و بقناع آخر و بوجه أشدّ سخافة و أشدّ قتامة، في ظاهرها تطبيق القانون و في باطنيها اقصاء مبطن لخصوم سياسيين و إهانة لهم .
وحين نقول مثل هذا الكلام فليهنأ الجميع أنّنا لا ننتمي لأي طيف حزبي لا من يساره أو يمينه أو وسطه بل نعبّر عن رأي خاص بنا بعيدا عن كلّ تجاذبات سياسية أو دفاعا عن أشخاص بعينهم و لكن ما يهمنا هو الحديث و النقاش حول مثل هذه الاستعمالات الخاطئة للنفوذ و استعمال أجهزة الدولة لتحقيق مآرب سياسيوية على حساب خصوم سياسيين أيضا.
و هذا التقديم العام للموضوع الذي سنتناوله في هذه الورقة يجبرنا على طرح عدّة ملاحظات تزامنا مع ايقاف الأخويين القروي و ايداعهما السجن و ما تعرض له حافظ القايد السبسي من تفتيش مهين بالمطار و لعلّ أهمّها :
1/ المعروف أن جمعية ” أنا يقظ ” رفعت الكثير من قضايا الفساد ضدّ جهات متعددة و مختلفة و ضدّ أشخاص بعينهم فلماذا تختفي كل تلك الملفات و لا يتم التعاطي إلاّ مع هذا الملف بالذات للقروي متمنين في السياق ذاته أن يتم البت في كل قضايا الفساد التي رفعتها يقظ أو غيرها من الجمعيات؟
2/اختيار التوقيت هذا بالذات و لا تفصلنا إلاّ بضعة أسابيع على الانتخابات الرئاسية يحمل بين طياته مضامين سياسية و يذكرنا بإجراء التعديل الانتخابي و ما كان يحمله من فكر اقصائي للمنافسين السياسيين المحتملين بل هذا الإجراء بايقاف القروي يثير عدّة مخاوف حاول امكانية استعمال أجهزة الدولة لأغراض سياسوية بحتة .
3/كنّا نعتقد و أن عهد مثل هذه الممارسات النوفمبرية لتصفية الخصوم السياسيين قد ولى و ذهب بغير رجعة و لكن يبدو أنّ الواقع غير ذلك باعتبار تكرر مثل هذه الممارسات على الأقل لمرتين الأولى باتخاذ الاجراء التعديلي للقانون الانتخابي و اليوم بإيقاف أحد المترشحين للرئاسية و إن كان من كان مذنبا في حق المجموعة الوطنية سواء بتهربه الجبائي أو تبييضه للأموال فلا شيء يحجز علوية تطبيق القانون و لكن و لو كان ذلك قبل بكثير من هذا الموعد لما دأب إلى أي تونسي أي شك في هذا الاجراء و لكن…
4/لماذا لم يتمّ التسريع في القضايا الأهم في نظرنا التي قد تساهم في تنقية الأجواء في وطننا العزيز و لعلّ أهمّها قضايا التسفير لشبابنا و بناتنا إلى بؤر التوتر و الجهاز السري و الجرائم السياسية و غيرها من أمهات القضايا العاجلة و نحن بقدر ما لا نشك في نزاهة القضاء و حيادته بقدر أيضا ما نشتم راحة المعيار الانتقائي بحسب الولاءات الحزبية التي تفرضها جهات حزبية معيّنة حسب مصالحها..
5/أيضا ما تعرّض له حافظ قايد السبسي من اخضاع لتفتيش أقل ما يقال فيه أنّه مهين – و هذا لا يعني أنّنا ضدّ مثل هذا الاجراء خدمة للبلاد و العباد و تطبيق القانون على الجميع – و لكن أن يحدث ذلك في شكل رسالة سياسية و تصفية حسابات فذلك أيضا يعتبر من الممارسات النوفمبرية السابقة التي لا تقبل بعد الثورة و بالتالي نسأل هل كان بإمكان ذلك أن يحصل لحافظ ما حصل لو كان الباجي مازال في سدّة الحكم فقط.نسأل و نمرّ…؟
لنختم بالقول و أنّنا لا ينتابنا و لو ذرّة شك في نزاهة قضائنا و رجالاته وهذا موقف مبدئي منّا شخصيا و إنّنا من المبرئين لاستقلالية و نزاهة السلطة القضائية و لكن و خوفا على مستقبل هذا الوطن، تونس العزيزة و تونس العدالة و تونس المحبة و تونس المستقبل الأفضل، لا نقبل أيّا من كان من أن يلطخ المسار الذي انتهجته تونس على درب الديمقراطية و الابتعاد عن كل الممارسات النوفمبرية السابقة أن تعود إليه من جديد خدمة لأشخاص معينين لأنّ الأشخاص يمرّوا – و كم مرّ من هنا – و تبقى تونس الجميلة مرفوعة الرأس و الراية بشعبها و برجالاتها الأوفياء و الأحرار سواء من قضوا منهم في سبيل هذا الوطن أو من مازالوا على قيد الحياة في خدمة هذا الوطن بعيدا عن الأحقاد والممارسات غير المقبولة..؟