الوطنية

سيماء المزوغي تكتب :فقط لنساء تونس دون غيرهن..

لسنا ناقصات عقل كما تتدعي الغيلان ، ولكننا ناقصات مواطنة، مادامت حقوقنا منقوصة ، مادم للذكر مثل حظ الأنثيين.. مادامت أحجية الحريات الفردية لم تحلّ بعد..

لا يمكن أن تُبنى أيّ حضارة إلا عندما نتصالح مع الماضي، نفهمه أو نحاول فهمه ونعترف بالنقصان وبمحدودية الإنسان، لا يمكن أن نعانق المستقبل ونحن مكبّلين بجثث الماضي وخرافاته، ونحن محكومون بعالم الأموات.. لا يمكن أن تُبنى حضارة تحترم إنسانية الإنسان دون أن نزيل الغبار عن كُتبنا العتيقة، و«حقائقنا» العتيقة، ونعترف أننا بشر مجالنا نسبي وأن لا عزاء إلا للعلم…
عندما كتب الطاهر الحداد “امرأتنا في الشريعة والمجتمع” جُرّد من شهائده العملية ومنع من أبسط حقوقه كمواطن، وطالبوا بإخراجه من “الملّة” وأخرج قسرا من قاعة الامتحانات ومنع من العمل، روّعوه .. عاش الحداد في عالم سفلي حيث التحجّر والتصلّب.. حيث العجز والتذمّر والتباكي على أطلال الأطلال.. رغم كل ذلك لم يتوان عن نقد التعليم الزيتوني إذ كتب مؤلفا بعنوان «التعليم الإسلامي وحركة الإصلاح في جامع الزيتونة» كتاب لم ينشر إلا بعد الاستقلال، وبعد موته بسنوات عدّة..
كان المجتمع الذي عاش فيه، في الحقيقة لم يتغير كثيرا، يرى المرأة «وعاء لفروجهم»، وكان الحداد يراها «أمّ الإنسان»، هم يريدون منها «الحياء كرمز لانكسارها» وهو ينادي بالحرية الفردية والمدنية في رحاب القيم الإنسانية الأزلية المطلقة..

اليوم نحتاج إلى حلم أكثر من ذي قبل.. نحتاج إلى حلم هو مشروعنا المجتمعي المشترك.. محتاجون إلى حلم بعيد عن أي إيديولوجيا وأي دين وأي مذهب وأي عرق أو أي فصيلة أو قبيلة.. نحتاج إلى الحلم أكثر من أيّ وقت مضى.. وإلا سنتآكل من الداخل.. لقد وصلنا إلى نقطة اللاعودة، إمّا أن نعبد حلما جماعيا يتحقّق، أيّ حلم يرمّم إنسانيتنا في هذا الوطن.. أو سيلفظنا التاريخ وتخجل منّا الحضارة..ونصنّف كوباء فتك بوطنه لأنّنا كنّا عبئا على الإنسانية، تركنا ألاف الألغام والأسلاك الشائكة للأجيال القادمة..
فهل ترانا نحلم عندما نريد أن نعيش في دولة نرعاها وترعانا؟ هل نحلم عندما نريد أن نعيش في أمان سياسي واقتصادي واجتماعي وخاصة ثقافي، ذلك الذي يحمينا من أنفسنا ومن أنانيتنا، ومن جهلنا الدائم باستمرار؟ هل من الحماقة أن نفكّر أنّ الحياة من أكبر وأعظم معارك التاريخ؟ هل من المثالية أن نرفع الأعلام البيضاء في كل مكان، حتى تتنفّس الأم التي تحضننا جميعا، وحتى تكبر وتحلّق وتواجه أعداءها الذين يريدون التهام نظامها وأمنها… لن يتحقق هذا الحلم إلا إذا أصبحت المرأة التونسية كائنا كامل المواطنة، كامل الحقوق لا في قانوننا الوضعي فقط بل في مخيلتنا وذاكرتنا الجماعية .. مازال طريق مسيرة الحقوق والحريات طويلا وشائكا.. مازال طبقا دسما لتجارتهم السياسية ووعودهم الانتخابية ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى