حكومة جديدة في السودان .. وسط صراع الأجنحة واستمرار الحرب

في أول خطاب له في منذ تعيينه رئيسا للوزراء في السودان، قال كامل إدريس، إنه سيدير الفترة الانتقالية والجهاز التنفيذي بكل كفاءة ونجاح، استتباب الاستقرار والسلام في كافة ربوع الوطن.
كما تعهد بالقضاء تماما على ما سمّاه التمرد، وهو ما اعتبره مراقبون، تكرارا لطرح قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، حول إصراره على الحسم العسكري، بدل الحوار، وهو ما يعد مستحيلا، في ظل الخسائر الاخيرة للقوات المسلحة في إقليم كردفان.
وأعلن رئيس الوزراء الجديد ، حل الحكومة، فيما كلف الأمناء العامين، ووكلاء الوزارات بتسيير مهام الحكومة إلى حين تشكيل حكومة جديدة.
ردود فعل
خطاب كامل إدريس، لم يحمل جديدا، أو تطلعات السودانيين، بحسب محللين سودانيين، مؤكدين، أنه يردد باختصار، رؤية قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بخصوص الأزمة.
رئيس دائرة الإعلام بحزب الأمة القومي مصباح أحمد، قال إن “خطاب إدريس اتسم بتناقضات صارخة”، وأضاف : (فبينما أكد حرصه على الوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف، عبّر في الوقت نفسه عن انحياز كامل لاستمرار الحرب، عندما وصفها بأنها “حرب كرامة وجودية”، وبهذا التوصيف، ناقض نفسه بنفسه) .
وأشار في تصريح له إلى “أن إدريس طرح برنامج عمل زعم أنه يستهدف توفير الخدمات وتخفيف المعاناة عن المواطنين، بيد أنه تجاهل تماماً مسألة وقف الحرب التي هي السبب الأساسي في معاناة السودانيين ولم يبدي أي رغبة في السعي لتحقيق السلام، وركّز بدلاً من ذلك على ما سماه “إنهاء التمرد”، في إشارة واضحة إلى استمرار النهج العسكري. وهو ما يُعدّ منحًا لشيكات مفتوحة لصالح دعاة الحرب ورافضي الحلول التفاوضية، “بحسب تعبيره”.
وتابع: “وعليه، فإن تعيينه يبدو محاولة ديكورية لا أكثر، تهدف إلى إضفاء شرعية شكلية على وضع انقلابي غير دستوري، يعمل تحت إمرة العسكر بصورة كاملة، ومن دون أي غطاء شعبي أو سياسي حقيقي.”
من جهته قال الكاتب السوداني صلاح شعيب في مقال، إن الخطاب أكد أن كامل إدريس، “حريص على إرضاء البرهان الذي عينه أكثر من الشعب السوداني الذي استهدفه.”
وأوضح أنه ” استلف في مستهل خطابه مفهوم حرب الكرامة، وبذلك وضع كامل نفسه من البداية جندياً تحت راية البرهان، وقاعدته، وعندئذ فإنه من غير المتوقع أن يكون هناك تغيير في خطاب حكومة بورتسودان حول شؤون الحرب، وغيرها من شؤون الحياة في البلاد كلها.”
وتابع: “الذين صدعونا بأن كاملاً يمتلك علاقات دولية، ومن ثم يستطيع أن يحدث اختراقاً في علاقة بورتسودان بالغرب تحديداً، حاولوا اللعب بعقل القاعدة المؤيدة لبورتسودان. فالدكتور لم يكن موظفاً ضمن المؤسسات الأممية ذات الصلة بالسياسة، فالملكية الفكرية جهة تخصصية تتعلق بالحقوق، وليس لها علاقة مباشرة بالسياسات الدولية، كما هو حال المنظمات الأممية الأخرى مثل منظمة الصحة العالمية، أو البنك الدولي، أو منظمة التجارة التفضيلية، إلخ.”
بدوره قال الكاتب أواب عزام البوشي، إن “إدريس رسم الإطار النظري لما يجب أن يكون، لكنه لم يقترب بعد مما هو كائن. لم يطرح آلية عملية لوقف الحرب، وهي المفتاح الحقيقي لأي حديث عن تنمية أو إصلاح. لم يتطرّق إلى معاناة الملايين من اللاجئين والنازحين، ولم يتعهّد برفع الضرر عن أولئك الذين يقيمون في العراء داخل حدود السودان وخارجها.”
وأضاف في مقال، أنه خطابه “متماسك في بنيته، لكنه منفصل عن أرض المعركة حيث تُكتب السياسة بدم اللاجئين وأنين المخيمات وحرائق الأسواق.” مشدد على أن “السودان لا يحتاج من يحسن الحديث، بل من يجرؤ على لمس الجرح، ومواجهة الحقيقة، دون رتوش.”
خطاب.. وخسائر فادحة في الميدان
خطاب كامل إدريس، في بورتسودان، تزامن مع خسائر فادحة تكبدها الجيش السوداني والقوات المتحالفة معه في إقليم كردفان الذي يعد منطقة استراتيجية، ويربط وسط وشمال السودان بإقليم دارفور، حيث تسيطر قوات الدعم السريع.
وكانت قوات الدعم السريع، سيطرت السبوع الماضي على مناطق استراتيجية بإقليم كردفان، منها منطقتي الخوي بغرب كردفان والدبيبات بجنوب كردفان، بعد معارك وصفت بالعنيفة ضد ما سمته“جيش الحركة الإسلامية الإرهابي” ومليشيات موالية للجيش السوداني بقيادة البرهان، مع خسائر فادحة تجاوزت الـ800 قتيل.
وتعد الدبيبات منطقة ذات أهمية كبيرة، في الصراع الدائر بالسودان، نظرا لموقعها الاستراتيجي الذي يمنح ميزة عملياتية لطرفي الحرب المستمرة منذ منتصف أبريل 2023، نظرا لكونها تربط جنوب وغرب كردفان بمدينة الأبيض.
ونجحت قوات الدعم السريع أيضا، في هزيمة الجيش والكتائب الإسلامية، المتحالفة معه، في منطقتي الحمادي، وأم اصميمة، بإقليم كردفان.
في غضون ذلك، تعيش السودان، على وقع أزمة إنسانية مأساوية، إذ يعاني أكثر من 30 مليون سوادني من الجوع بسبب الحرب المستمرة منذ منتصف إبريل 2023.
وتفاقمت الوضعية المأساوية، جراء تفشي الكوليرا، وحذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) 28 مايو 2025 من تزايد خطر الكوليرا الذي يواجهه مليون طفل في ولاية الخرطوم في السودان، مشيرة إلى أن الحالات المبلغ عنها قد زادت تسعة أضعاف في غضون عشرة أيام فقط.
وأشارت إلى أنه منذ مطلع العام، “تم الإبلاغ عن أكثر من 7700 حالة كوليرا – بما في ذلك أكثر من ألف حالة بين الأطفال دون سن الخامسة – و185 حالة وفاة مرتبطة بالمرض في ولاية الخرطوم”. وقد ارتفع عدد الحالات بشكل ملحوظ بين 15 و25 أيار/مايو، حيث زاد من 90 حالة مُبلغ عنها يوميا إلى 815 حالة.”
ويرجّح مختصون في المجال الصحي، أن تكون الإصابات ناجمة عن تسمم كيميائي، بسبب استخدام الجيش السوداني لأسلحة كيميائية، وأكد مختصون سودانيون، أن “الأعراض التي تظهر في معظم الحالات المسجلة ليست أعراض تقليدية لمرض الكوليرا، فنسبة كبيرة من المرضى يشتكون من صداع ومغص حاد دون وجود إسهال أو استفراغ”، مؤكدين أن “ما يحدث في أم درمان وجنوب الخرطوم من تزايد مخيف في حالات الإصابات ليس تفشيا للكوليرا، وإنما هو نتاج فعلي لتسمم ناجم عن مخلفات أسلحة كيميائية”.
هذا وكانت الولايات المتحدة الأمريكية، قد قررت فرض عقوبات على السودان، بعد ثبوت استخدام أسلحة كيميائية، خلال الحرب الدائرة.