ثقافة وفنون وتلفزة

“التظاهرات الثقافية والصحفية خارج الأطر الرسمية: فوضى المبادرات أم غياب الرقابة؟”

بقلم صحفية الموقع شيماء اسماعيلي

في ظل التحولات المتسارعة التي تشهدها الساحة الثقافية والإعلامية، برزت في السنوات الأخيرة ظاهرة لافتة تتمثل في تنظيم ندوات صحفية، حفلات تكريم، وتظاهرات ثقافية من طرف أفراد أو مجموعات لا يحملون أي صفة قانونية واضحة أو تمثيلية رسمية. هؤلاء غالباً ما يبررون أنشطتهم بالانتماء إلى جمعيات أو منظمات مدنية، لكن الواقع يكشف في كثير من الأحيان زيف هذه الادعاءات، ما يطرح أسئلة محورية حول مصداقية هذه التظاهرات، وأثرها على المشهد العام، والأهم من ذلك: من يراقب؟

الواقع الميداني:
في العديد من المدن، أصبحت القاعات العامة تُستغل لتنظيم مناسبات يُدعى إليها صحفيون، فاعلون ثقافيون، وفنانون، دون علم أو إشراف من أي هيكل رسمي أو تنظيمي. بل أكثر من ذلك، أصبحت بعض هذه التظاهرات تُوظف لأغراض شخصية، مثل البحث عن الظهور الإعلامي أو الترويج الذاتي، ما يمسّ بشكل مباشر من مصداقية العمل الثقافي ويشوّش على الفاعلين الحقيقيين.

التذرع بالجمعيات:
كثير من منظمي هذه الأنشطة يرفعون شعار العمل الجمعوي لتبرير مبادراتهم، لكن التمحيص في الوضعية القانونية لجمعياتهم، أو حتى في وجودها الفعلي، يكشف أن العديد منها غير مرخص لها أو لا تنشط وفق القوانين المنظمة للجمعيات. هذا الواقع يؤكد أن هناك فراغاً تنظيمياً يتم استغلاله بطرق غير سليمة.

غياب الهياكل الرقابية:
تُعتبر الجهات الرسمية المعنية بالثقافة والإعلام، على غرار المندوبيات الجهوية، المجالس البلدية، والهيئات المهنية، غائبة تماماً عن مشهد هذه التظاهرات، مما يترك الباب مفتوحاً أمام الفوضى. لا وجود لرخص، لا تتبع، ولا تقويم. وحتى المؤسسات الراعية لبعض الفعاليات لا تدقق أحياناً في الجهة المنظمة، مما يعزز من حالة الانفلات.

التداعيات:

فقدان الثقة في العمل الثقافي الجاد.
تمييع معنى التكريم والاحتفاء.
إضعاف الإعلام المحلي بتوجيه الدعوات بشكل انتقائي أو مجاملاتي.
استغلال هذه المنابر لخطابات شخصية لا تخدم الصالح العام.

سؤال الساعة: هل نحن مقبلون على تقنين هذه التظاهرات؟
الواقع الحالي يفرض ضرورة تحرك الجهات المسؤولة، سواء من خلال تفعيل المراقبة الإدارية، أو فرض تراخيص مسبقة لأي نشاط جماهيري، أو حتى إصدار دليل تنظيمي واضح يحدد من يحق له تنظيم هذه التظاهرات، وفق معايير مهنية وقانونية شفافة. التقنين لم يعد خياراً بل أصبح ضرورة لحماية الفعل الثقافي والإعلامي من التمييع والتشويه.

إن إرساء قواعد واضحة لتنظيم الندوات والتظاهرات الثقافية ليس استهدافاً للمبادرات الفردية، بل هو في جوهره دفاع عن المصداقية، المهنية، والتكافؤ في الفرص. وفي انتظار أن تتحرك الهياكل الرسمية، يبقى السؤال مطروحاً: إلى متى ستظل الساحة مفتوحة لكل من شاء، دون حسيب أو رقيب؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى