الوطنية

تونس: الأمن والسّيادة الطاقيّة في قبضة البروقراطية

تسعى بلادنا جاهدة منذ فترة الى ضمان أمنها الطاقي و تقليص عجزها في هذا المجال بالتعويل على الطّاقات المتجدّدة والاستغلال الأمثل لمختلف الموارد الطاقيّة التقليدية ، وهذا ما جسدته السلطات التونسيّة من خلال التوجه نحو المحافظة على ثروات القطاع و تدعيم الإنتاج كخيار استراتيجي لها .
فما حقيقة الوضع الطاقي ببلادنا ؟
والى أي مدى ستخدم القرارات الأخيرة للمجلس الوزاري للطاقة مصالح الأطراف المتداخلة و تسهم في حلحلة إشكاليات القطاع؟
الوضع العام في المجال الطاقي ببلادنا ليس بالمطمئن خاصة مع تسجيل عجز قياسي في الفترة الأخيرة. كما أن الوضعية الماليّة للشركة التونسيّة للأنشطة البتروليّة صعبة في ظل تواصل الإنفاق على الإنتاج دون تحصيل مداخيل. اضافة لعدم قيام كل من الشركة التونسية لصناعات التكرير والشركة التونسية للكهرباء والغاز بخلاص ديونهما لدى الشركة الوطنية للأنشطة البترولية المقدّرة على التوالي بـ 660 مليون دينار و1546 مليون دينار. وهذا ما أكدته الرئيسة المديرة العامة للشركة التونسيّة للأنشطة البتروليّة دليلة بوعتور جوان الفارط حيث أشارت كذلك الى الالتزامات المالية الأخرى للشركة والمتمثّلة في طلبيات النقد من الشركاء وتسديد القروض، مبينةً أن ديون الشركة التونسيّة للأنشطة البتروليّة تقدر بـ 974 مليون دينار.
*قرارات مهمة لفائدة قطاع الطاقة
و نظرا لثقل و حساسية هذا الملف أشرف رئيس الحكومة كمال المدّوري مؤخرا على مجلس وزاريّ خصّص للنّظر في السبل الكفيلة بتقليص العجز الطاقي لتعزيز السّيادة الوطنية في هذا المجال طبقا للاستراتيجيّة الوطنيّة لقطاع الطّاقة في أفق سنة 2035.
وقد أكّد المدّوري على ضرورة تحقيق مقوّمات السّيادة الطاقيّة وفقا للأولوياّت الوطنيّة وفي إطار مقاربة تنمويّة شاملة وانتقال طاقيّ عادل ومستدام .كما شدّد على أنّ تعزيز الأمن الطاقي وتحسين الاستقلاليّة الطاقيّة للبلاد هي مسألة سيادة وطنيّة وأولويّة قصوى تستوجب توفير كافة المقوّمات والوسائل لدفع المشاريع الطاقيّة واستحثاث نسق إنجازها في إطار الاستراتيجيّة الطاقية الوطنيّة لبلوغ نسبة 35% من الطاقة البديلة سنة 2030، ووضع كافّة الإصلاحات التشريعيّة والترتيبيّة اللازمة لتجاوز الإشكاليّات المطروحة مع وجوب تذليل كافة الصعوبات الإدارية والإجرائية أمام هذه المشاريع لما لها من أهميّة في ضمان الأمن الطاقي، مؤكدا على ضرورة العمل المشترك بين جميع الهياكل العموميّة لدفع برنامج الانتقال الطّاقي في المؤسّسات والمنشآت العموميّة واستحثاث نسق تنفيذ برنامج النجاعة الطاقية في البناءات العموميّة.
وقد اختتم المجلس الوزاريّ بقرارات عديدة أبرزها عرض مشروع مجلّة المحروقات على أنظار المجلس واستكمال إعداد مشروع مجلّة الطاقات المتجدّدة. مع حسن متابعة الرخص والعقود ومختلف الالتزامات والحقوق المترتبة عنها والمشاريع الجارية أو المبرمجة.
كما جاء من بين المخرجات التركيز على ضرورة إيجاد الحلول الكفيلة بتسوية وضعية الأراضي الاشتراكية بما يتيح حسن توظيفها لإنجاز مشاريع طاقية وذلك بالتنسيق مع كافة الأطراف المتدخّلة. وخلص المجلس ذاته الى إحداث فريق عمل يتولى دراسة الجوانب الاستراتيجية والإجرائية لإنجاز مشاريع وطنيّة في مجال تكرير النفط واللوجستية البترولية…
*تعطيلات مقيتة و خانقة للاستثمار
وقد لاقت مخرجات هذا المجلس الوزاريّ الذي خصّص للنّظر في السبل الكفيلة بضمان الأمن الطاقي للبلاد استحسانا كبيرا نظرا لتواتر الإشكاليات التي تعيشها عدد من المؤسسات الطاقية والبترولية الخاصة المتمركزة بتونس والتي تعاني الكثير بسبب المطالب الاجتماعية و تعطل عمليات الحفر و التنقيب بهدف تطوير انتاج النفط والغاز، وذلك جراء التعقيدات الإجرائية والبيروقراطية الإدارية. ونذكر من ذلك تعطل سير المعاملات الإدارية في ظل عدم الاعتماد على رقمنة الملفات. إضافة الى التمطيط في الرد على المراسلات و عدم العمل بمفهوم استمرارية الإدارة. و كذلك تباين مستوى التنسيق بين مختلف الأطراف المتداخلة التي تشتغل على ذات الملف من ولاية الى أخرى .
هناك أيضا اشكال اخر يطفو على السطح منذ فترة وهو انتهاء صلوحية عدد من مجالس التصرف ببعض الولايات وتعطل تقديمها لتقاريرها الأدبية و المالية. و للتوضيح يخضع استغلال الأراضي الاشتراكية بما في ذلك التفويت فيها أو دفعها على وجه المغارسة أو المساهمة بها في رأس مال شركة أو تسويغها للموافقة المسبقة لمجالس التصرف ومصادقة مجلس الوصاية الجهوي حسب الشروط المضبوطة بالقانون. وبالتالي لا يمكن اجراء عمليات حفر أو تنقيب فوق مثل هذه النوعية من الأراضي مع وجود مجالس تصرف منتهية الصلاحية الا مع انتخاب مجالس جديدة وهذا يتطلب المزيد من الانتظار أو بتدخل استثنائي من ولاة الجهات المعنية أو من سلطة الاشراف لفض هذه الإشكاليات .
و المعلوم أن عدم انطلاق أشغال الحفر في مواعيدها أيا كانت الأسباب سيؤدي في خسارة مبالغ مالية كبرى للمستثمرين و كذلك للدولة التونسية عبر الشركة التونسية للأنشطة البترولية على وجه التحديد التي تتحصل على نسبة تصل إلى اكثر من 50٪ من مداخيل الإنتاج .
* زينيت إنرجي تغرم تونس
صحيح أن هناك شركات طاقية خاصة قامت بمجاراة الأمور و سعت جاهدة و لاتزال مع مختلف الأطراف لحلحلة الإشكاليات من خلال التواصل الدائم مع السلط لإيجاد الحول لفض المشاكل لكن في المقابل هناك شركات أخرى توجهت للتحكيم الخارجي بعد أن عجزت عن إيجاد حلول للتعطيلات في تونس مثل الشركة البترولية الكندية ” زينيت إنرجي” المرخص لها في البحث والتنقيب على النفط في منطقة روبانة بجربة والزاوية والبيبان بالقرب من ميناء جرجيس.
حيث اعلنت الشركة منذ فترة وجيزة كسبها لقضية ضد الدولة التونسية بعد توجهها لمحاكم غرفة التجارة الدولية بباريس التي أمرت الشركة التونسية للأنشطة البترولية بدفع مبلغ قدره 6,139,539 دولارًا أمريكيًا، وحوالي 2,700,000 دولار أمريكي كفائدة على السداد المتأخر تم فرضها حتى يوم قرار التحكيم الصادر عن هيئة التحكيم الدولية رقم 1. 395,000 دولار أمريكي كتعويض عن التكاليف الإجرائية المرتبطة بتحكيم المحكمة رقم 1، و 450 ألف دولار أمريكي تكاليف قانونية بمبلغ إجمالي قدره حوالي 9.7 مليون دولار أمريكي اي حوالي 31 مليون دينار تونسي .
كما سيستمر فرض الفوائد المتعلقة بالتأخر في السداد حتى تسترد الشركة المستحقات التي فرضتها المحكمة بالكامل .ويبدو ان هذا القرار نهائي ولا يجوز للأطراف الطعن فيه.
وحسب عدد من المختصين فان خسارة قرار التحكيم هذا قد تتلوها أحكام أخرى في قضايا مماثلة وهذا ما سيصعب الأمور مستقبلا على البلاد خاصة مع تراجع عمليات التنقيب والاستكشاف. علما أن الشركة الخصم للبلاد التونسية عللت توجهها الى عملية التحكيم الدولية لما اعتبرته تواجد عراقيل غير مبررة من السلطات التونسية تسببت لها في خسائر فادحة وحجبت عليها فرص في بيع النفط المتراكم بكميات كبيرة.
فهل ستمثل هذه القضية درسا لتجنيب بلادنا مزيد من الخسائر في المستقبل؟
ولذلك وجب تجاوز كل التعقيدات الإدارية و التشريعية التي تعيق المشاريع الطاقية المهمة جدا لاقتصاد البلاد وتمس من استقلالها الطاقي. كما يجب السعي بكل جدية لتطبيق قرارات المجلس الوزاري المخصص للطاقة التي يمكن أن تعطي دفعا و حركية للقطاع مع حث المستثمرين الأجانب لمزيد العمل و الاستثمار والقيام باكتشافات جديدة لتقليص العجز .
فلو غاب الإنتاج سيتم اللجوء طبعا للتوريد وهذا لا يخدم مصالحنا بتاتا في وقت تحتاج فيه تونس إلى جميع مواردها الطبيعية أكثر من أي وقت مضى لمواجهة الأزمة الاقتصادية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى