جيل التسعينات: جيل منحوس أو سوء ظروف؟
لا شكّ أنّ لكل جيل خصوصيته وتركيبته التي لا تشبه غيره من الأجيال، إلاّ أنّ جيل “التسعينات” يعتبر أكثرهم سوء حظّ يتخبّط بين الذكريات والحنين الى الماضي من جهة وبين التأقلم مع متغيرات العصر والمضي قدما في معترك الحياة من جهة أخرى.
هذا الجيل الذهبي يتأرجح اليوم بين جيلين سبقوه في مختلف المجالات، فجيل الثمانينات وفّق في بناء حياة مستقرة مهنيا واجتماعيا أمّا جيل بداية الألفية أثبت نفسه اليوم من خلال التعايش مع النسق السريع والضغوطات والمتغيرات التي نعيشها.
جيل التسعينات عاش ولا يزال يتعايش مع تناقضات جعلت منه شخصية غير متزّنة نفسيا، نحن الجيل الذي نشأ على الرسوم المتحركة التي علمتنا القيم والمبادئ ونمّت فينا حبّ اللغة العربية، جيل كان يستمتع باللعب في الشارع مع الأصدقاء دون تكلّف يصنع ألعابه بكلّ حبّ وتفاني، جيل كان ينتظر العطل والمناسبات للمّ شمل العائلة وتبادل الأحاديث والاستماع الى حكايات الأجداد.. أمّا اليوم أصبحنا نعيش في عالم افتراضي كلّ طفل مع هاتفه أو حاسوبه منعزل عن العائلة ولا يعرف معنى الصداقة والجيرة والتواصل المباشر، عالم خيالي مليء بالتناقضات والتأثيرات السلبية التي قد تصل الى الإصابة بالتوحّد والاكتئاب.
نحن الجيل الذي عرف في فترة المراهقة تطورات تعايشنا معها لكنّها لم تؤثّر على ما زرع فينا في بداية نشأتنا، واكبنا الألعاب الالكترونية كـ “الأتاري”، بداية ظهور قنوات الكليبات مثل قناة “ميلودي” وبرامج المسابقات والمواهب على غرار “ستار أكاديمي” و “سوبر ستار”، أمّا اليوم ومع ظهور الذكاء الاصطناعي والتطورات اليومية للتكنلوجيا أصبح الجيل الجديد يعيش في مستنقع مليء بالدعارة والمخدرات والرداءة.
نحن الجيل الذي واكب ظروفا سياسية واجتماعية واقتصادية مقيتة في مرحلة الجامعة، ومع بداية تكوين شخصية سويّة واختيار التخصص الدراسي بدأت الثورة ولم نحصد منها شيئا بل كانت سببا رئيسيا في هدم طموحاتنا وآمالنا، أذكر جيّدا تلك السنة المشؤومة والتي تزامنت مع أهمّ سنة دراسية في الجامعة واضطررنا لايقاف الدروس على فترات نظرا للاعتصامات ومنع التنقل، نحن الذي عشنا الأزمة الاقتصادية التي ضربت كل دول العالم، لنصل الى فيروس كورونا الذي كبّدنا خسائر على جميع الأصعدة.
نحن الجيل الذي يحاول التظاهر بالصمود رغم أنّ أغلبنا محبط وعاجز عن تحقيق ذاته بل اختار الكثيرون الهجرة الى المجهول عوض العيش في وطن ناكر لأبنائه، أوشكنا على بلوغ سنّ الأربعين ولا أمل لنا لا في وظيفة عمومية لأنّ المناظرات محدودة وأغلبها بالمحاباة ولا أمل لنا في وظيفة في القطاع الخاص لأنّ سوق الشغل يتطلّب جيل جديد وموهوب، وفق تعبير أصحاب السلطة، ونحن لا نمتلك الخبرة الكافية لمجابهة التطورات والمهارات التي يمتلكها جيل الالفينات ولا أمل لنا في تكوين أسرة وأبناء.
ماذا عسانا نفعل اليوم ونحن لا ندرك أيّ مصير ينتظرنا؟ هل نتنازل عن مبادئنا وقناعاتنا للحصول على وظيفة طالما الدولة ومسيّريها لم تعرنا اهتمام ولم تنشغل يوما بهذا الجيل التعيس المظلوم الذي عجز عن توفير أبسط متطلبات الحياة، منّا من اختار الهجرة غير الشرعية، منّا من اختار طرق غير قانونية للعيش، منّا من قرّر التخلص نهائيا من حياته ومنّا من الموت اختاره حتى يريحه من هذا الواقع المرير.. آلاف يعانون الأمرّين من كونهم فقط “جيل التسعينات”، جيل عاجز عن العودة للوراء وعاجز عن تغيير واقع مرير سببه سياسات عبثّية.
أميرة الشارني