ألا تستحق حماس شيئا من اللين..
كتب محمد علي العڨربي
بعد مرور نحو ثمانية أشهر على معركة “طوفان الأقصى” والحرب الإسرائيلية العنيفة على قطاع غزة، ومع استمرار تداعيات هذه المعركة فلسطينياً وإقليمياً ودولياً، يثار السؤال حول ضرورة تغيير الموقف العربي الرسمي الذي يبدو متجمداً وبارداً وغير مبالٍ بما يحدث. في بداية الهجمة على قطاع غزة ، عبرت الأنظمة العربية عن استيائها من حركة حماس، معتبرة أنها أفسدت مسار التسوية السلمية والتطبيع مع إسرائيل. بعض القادة العرب لم يخفوا رغبتهم في القضاء على حماس وإنهاء حكمها في غزة، وهو ما عبروا عنه صراحة في محادثات مع كثير من الأطراف الفاعلة . في الوقت نفسه، انتقدت دول مطبعة كالإمارات والبحرين حماس بشدة، وعقدت قمة عربية إسلامية متأخرة جاءت بخبر قديم مكرر لم يأتي بشيء. ورغم انخفاض وتيرة التطبيع، حافظت الدول المطبعة على علاقاتها السياسية مع إسرائيل، بل ووفرت لبعضها شرياناً اقتصادياً برياً بديلاً لتجاوز العقبات التي فرضها الحوثيون في البحر الأحمر.
إلا أن هناك مجموعة من المعطيات الهامة التي تستدعي من الأنظمة العربية إعادة النظر في موقفها قبل أن تتجاوزها الأحداث. فقد أظهرت المقاومة الفلسطينية أداءً استثنائياً على مدى 230 يوماً، وقدرة فائقة على إحداث خسائر كبيرة في الجانب الإسرائيلي والاستمرار في المقاومة لفترات طويلة قادمة. معظم الخبراء والمحللين والقادة الأمريكيين والغربيين والإسرائيليين باتوا مقتنعين باستحالة القضاء على حماس. بالإضافة إلى ذلك، تحظى حماس بدعم شعبي واسع سواء داخل فلسطين أو في الشتات، مما زاد من شعبيتها عربياً وإسلامياً ودولياً. فشلت محاولات شيطنة المقاومة وفصلها عن حاضنتها الشعبية، ولم تتمكن إسرائيل من تحقيق أهدافها سواء في سحق حماس أو تحرير “الرهائن” أو احتلال القطاع أو فرض سلطة بديلة فيه. تزايدت القناعات بعدم إمكانية إجراء أي ترتيبات في غزة دون التفاهم مع حماس.
فشلت الولايات المتحدة وحلفاؤها في إدارة المعركة لصالح إسرائيل، مما أدى إلى تضرر صورة الولايات المتحدة وتحول إسرائيل إلى عبء ثقيل عليها. حققت المقاومة إنجازات هائلة، تمكنت من إسقاط النظرية الأمنية الإسرائيلية وضرب فكرة الملاذ الآمن للصهاينة وإثبات إمكانية هزيمة إسرائيل. كما أظهرت المقاومة سلوكاً سياسياً اتسم بالكفاءة والواقعية والمسؤولية واحترام الوحدة الوطنية الفلسطينية.
في ظل هذه المعطيات، من الضروري أن تعيد الأنظمة العربية النظر في موقفها. الاستمرار في التفكير التقليدي والاعتماد على قدرة الإسرائيليين والأمريكيين على “سحق” المقاومة سيكون تقديراً كارثياً. ومع ذلك، يبدو أن المشهد العربي الرسمي “المعتدل” غير مؤهل لإجراء تغييرات حقيقية، وسيستمر في حالة الجمود طالما لم تصل النار إلى بيوت قادته. يعود ذلك إلى انغلاقهم على همومهم القطرية، والرهان على الهيمنة الأمريكية، وعدم استيعابهم للتحولات الكبرى التي أحدثها “طوفان الأقصى”.
في الختام، من الضروري أن تتبنى الأنظمة العربية موقفاً أكثر ليناً وتفاهماً مع حركة حماس، التي تعبر عن الإرادة الحقيقية للشعب الفلسطيني في دفاعه عن أرضه ومقدساته. الحوار والتعاون مع حماس يمكن أن يساهم في تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، ويعزز من قدرة الفلسطينيين على مواجهة التحديات وتحقيق حقوقهم المشروعة.