فيلم رحلة 404 : عودة السينما المصرية وبلوغ منى زكي ذروة الذروة من الابداع
“رحلة 404 “جت تعوض لنا عطش السنين” هكذا عبر المؤلف تامر حبيب عن إعجابه الشديد بفيلم رحلة 404 الذي يعرض حاليا بدور السينما التونسية بعد أن تصدر الارادات في السينما المصرية ونال إعجاب المشاهدين والنقاد وشهد العودة لسينما اشتقنا مشاهدتها وهو حاليا يعرض بدور العر
تتمحور أحداث الفيلم حول “غادة” بائعة الهوى التائبة التي تجسدها منى زكي حيث تقع قبل أيام من سفرها إلى مكة لأداء فريضة الحج في ضائقة مادية طارئة تجعلها مطالبة بجمع مبلغ كبير من المال، فتلجأ إلى الاتصال بأشخاص من ماضيها الذي قطعت معه منذ زمن.
الفيلم من بطولة منى زكي وشيرين رضا ومحمد فراج ومحمد ممدوح وخالد الصاوي ورنا رئيس وجيهان الشماشرجي وعارفة عبد الرسول ونادية شكري بطلة مسرحية «العيال كبرت» كضيفة شرف، وهو من تأليف محمد رجاء، وإخراج هاني خليفة، وإنتاج محمد حفظي وشاهيناز العقاد.
رحلة إلى مكة تسبقها رحلة في بواطن النفس البشرية:
تعود غادة في رحلة غير مبرمجة إلي ماض ضنت أنها ظلت طريقه، لتطرق أبوابا طالما سعت إلى غلقها إلى الأبد لتجد نفسها تقف في منتصف الطريق متمزقة بين ماضيها وحاضرها فتخوض البطلة رحلة انسانية داخل نفسها لتفتش في باطنها عن مصير امرأة يلاحقها ماضيها رغم سعيها المتواصل إلى التملص منه.
ثنائية الخير والشر:
إذا تمعنا في قصة الفيلم سنجد بعدا فلسفيا جليا يكمن في ثنائية الخير والشر فيستعرض خفايا النفس البشرية بخيرها وشرها وعنفوانها وضعفها وجل تقلباتها ويظهر هذا جليا في شخصية غادة السعيد التي تحن أحيانا إلى ماضيها ويظهر ذلك في عديد من مشاهد الفيلم مثل مشهد الحانة وتقاوم أحيانا أخرى هذه الرغبة من خلال سعيها إلي تدبر أمرها دون العودة إلى عملها السابق وهنا يبرز الجانب الفلسفي المعقد في الذات البشرية المتأرجح دوما بين الصواب والخطأ.
“العاهرة التائبة” في مواجهة أعراف المجتمع واستدعاء ضمني لفيلم كشف المستور:
استدعى محمد رجاء مؤلف الفيلم احد أبرز العاهرات التائبات في تاريخ السينما المصرية “سلوى شاهين” بطلة “كشف المستور” لوحيد حامد وعاطف الطيب التي جسدتها الممثلة نبيلة عبيد ويمكن هنا أن نتوقف أمام مسألة العُهر بمختلف تجلياته، ومن هنا يمكن أن نعود بالذاكرة إلى شخصية “سلوى شاهين” في “كشف المستور”
إذ يتجاوز العهر في مفهوم وحيد حامد عُهر الجسد ليشمل العهر الإنساني في كافة تجلياته فتحدث المقارنة بشكل مباشر بين نماذج الفساد التي اعترضت طريق “سلوى” في “كشف المستور” وتلك التي صادفت “غادة السعيد” في رحلتها. فيمارس “هشام” نوعاً من العُهر في علاقته بـ”غادة”، وذلك بالتحيل على مشتر في قطعة أرض، وتجريد “غادة” من عمولتها. وكذلك “شهيرة” الامرأة “القوادة” التي تستأجر الأجساد وتقبض الثمن. والأمر ذاته بالنسبة “لطارق عبد الحليم” حبيب “غادة” الأول الذي تركها من أجل زوجته” المحترمة” التي لم يتزوجها من أجل احترامها بل إحتراما لثروة والدها التي أصبحت له في النهاية وهنا يبرز العهر الاجتماعي في أبهى تجلياته.
لا توبة تقبل لبائعة هواء:
كعادته يخوض هاني خليفة في ما وراء المعلن ليتطرق إلى مواضيع عادة ما يرفضها المجتمع خاصة عندما تكون في علاقة بمفهوم الشرف والعهر والتوبة في علاقة بماضي المرأة بالأساس فطرح قضية النفاق الاجتماعي والنظرة الاخلاقوية القاسية التي تلازم المرأة وتحكم عليها بما اقترفته في الماضي فرغم عدولها عن عملها السابق منذ سنوات والقطع الكامل مع الماضي ظل الجميع ينظر إلى “غادة” بنظرة ” البروستتيوت ”
الأداء التمثيلي والحوار ركيزتا العمل الفني:
يرتكز الفيلم بالأساس على عنصرين أساسيين وهما الحوار والأداء التمثيلي فيعد الحوار متقن الكتابة سلسا وقاسيا في أغلب الأحيان يحاكي قسوة بواطن الشخصيات ويكشف أبعادها النفسية وتاريخها ومعاناتها، ويظهر ذلك في عديد المشاهد أبرزها مشهدي المواجهة في غادة وهشام طليقها “محمد فراج” حيث عرى الحوار خفايا الشخصيتين الأمر الذي جعل المخرج هاني خليفة يستغني عن استخدام تقنية الفلاش باك ليطلعنا عن ماضي الشخصيات.
والأداء التمثيلي الذي كان بارعا لجل الممثلين دون استثناء خاصة لمنى زكي التي كما وصف أداءها الناقد “طارق الشناوي” بلغت ذروة الذروة من الإبداع” لتتميز كعادتها في تجسيد الأدوار المركبة ذات التناقضات والانفعالات غير المنتظرة
كما تلعب الأحداث دورا هاما في شد المشاهد خاصة مع إيقاع متماسك كما شهدناه في هذا العمل بفضل مونتاج متقن.
ها نحن من جديد وبفضل مخرج متألق مثل هاني خليفة نشاهد فيلما أعادنا إلى سينما الزمن الجميل (قبل ظهور السينما النظيفة) يذكرنا ب “سهر الليالي” واحكي يا شهرزاد” بعيدا عن الرقابة الاخلاقوية التي خضعت إلى سلطة المجتمع وجردت السينما المصرية لسنوات متتالية من جزء كبير من هويتها.
بقلم مريم مرايحي