الجُثة رقم 24 لسنة 2023 – سكوت، النساء يُقتلن
قتلـها خنقًا، حرقًا، ضربًا. قتلـها زوجُها، والدها، شقيقها. قتلهـا أمام أبنائها، في منزلها ‘الآمن’.
بالأمس رفقة، وفاء، صابرين، مروى… وقد أكون أنـا -صاحبةُ المقال- الضحية القادمة! 24 حالة قتل للنساء منذ بداية العام الجاري، رقم مفزع عن وباء خفيّ لا تكون فيه النساء مجرد ضحايا للعنف الوحشي، بل هدفًا للقتل. انتهاك عميق لحقوق الإنسان، وتذكير صارم بواقع النساء المرير وعدم المساواة بين الجنسين والجذور العميقة للإفلات من العقاب والتواطؤ المُجتمعي لتتفيه هذه الجرائم والتطبيع معها.
أوضحت معطيات دراسة بعُنوان “سكاتنا قاتل” نشرها الاتحاد الوطني للمرأة التونسية، أنّ 23 فتاة وامرأة قُتلت منذ شهر جانفي 2023- لوائح وجداول شهرية تُروى على ألسنة المسؤولين كلّ شهر ونحنُ نعُّد ضحايانا ونستعد لعزاء جديد وجريمة أكثر بشاعة وتطرّفا. 38 بالمائة من جرائم القتل تمت طعنا بواسطة سكين (9 جرائم)، و7 جرائم قتل بواسطة آلات حادة، 13 بالمائة خنقا و 8 بالمائة ذبحا و4 بالمائة دهسا بواسطة سيارة ومثلها عبر الإلقاء بالبئر.
féminicide / أو جرائم قتل النساء هي جرائم قتل تُرتكب ضدّ النساء بناء على الجندر ومركزهنّ الاجتماعي المُستضعف وليست مجرد تسمية نسوية منمّقة. هي جريمة قتل يتساهل معها المجتمع المحافظ القاتل للنساء والدولة التي تحكمها الذكوريّة المركزية ويسنّ قوانينها وسياساتها رجال. وتحدث هذه الجرائم بوتيرة متكررّة وممنهجة، لأتفه الأسباب، ودون أسباب ويشترك فيها كلّ من القاتل والمحرّض على القتل والمتساهل مع القتل في خانة الجناة.
في متاهات تاريخ الإنسان، تظل بعض الكوارث ثابتة كصدى أبديّ مرعب يرفض الزوال. قتلُ النساء، أي القتل العمد للنساء بناءً على جنسهن، واحد من الظواهر الظلماء القمئة التي استمرت عبر القرون والحدود والحضارات. إنه تجسيد خبيث لأكثر زوايا مجتمعنا ظلامًا، ووباء صامت تقف أمامه الدولة بتخاذل مثير للريبة.
وفق دراسة استطلاعية أنجزها صندوق الأمم المتحدة للسكان بتونس وكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس، جرائم قتل النساء في تونس هي نتيجة علاقات قوى اجتماعية وهيمنة ذكورية ولا يمكن تنسيبها دائما إلى أسباب مرضية أوحالات إدمان.
بيّنت الدراسة بعد تجميع 46 ملفا عن جرائم قتل النساء من الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات و قسم الطب الشرعي بمستشفى “شارل نيكول”، أن 28.12 بالمائة من النساء ضحايا جرائم القتل، طلبن سابقا الطلاق أو قدّمن شكاية ضد الزوج المُعنف أو أنهين علاقتهن مع الزوج.
وتمس هذه الجرائم بالخصوص الشابات اللاتي تترواح أعمارهن بين 19 و 30 والمتزوجات بنسبة 71.73 بالمائة. وتقع هذه الجرائم في أغلب الأحيان بالمنزل الزوجي أومنزل الضحية.
وتكون أداة الجريمة في أغلب الحالات المرصودة، السلاح الأبيض ويمكن أن يتجاوز عدد الطعنات 20 طعنة في جسم الضحية بالخصوص في مستوى الرأس والقفص الصدري.
وتستهدف أغلب هذه الجرائم النساء اللاتي ليس لديهن دخل مادي، حيث أظهرت النتائج أن 46 بالمائة من الضحايا لا يشتغلن.
منذ إصدار القانون عدد 58 لسنة 2017 المتعلّق بالقضاء على العنف ضدّ المرأة إلى اليوم، لم يتم تسخير الميزانيات اللازمة لتوفير آليات حماية النساء المتعرضات للعنف وتركيز مؤسسات الحماية والتعهد العمومي بالضحايا. غياب التطبيق الفعلي للقانون يترجم من خلال عدم الجدية في التعامل مع شكاوى ضحايا العنف وأحيانا العنف المضاعف الذي لاقينه من قبل أعوان الأمن الذين يحاولون منع الضحايا من تقديم شكوى أو يرفضون كليا تلقي شكاويهنّ بحجة أنها ليست من ضمن أولوياتهم. هشاشة البنية التحتية للتعهد بالنساء ضحايا العنف، واستحالة وصول النساء للعدالة في مراكز الأمن والمحاكمات الصورية، تعد سببا أساسيا لتفشي هذا الوباء.
تقول رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية، راضية الجربي “أغلبية أسباب جرائم القتل ضد النساء تعود إلى خلافات عائلية، تتعلق أساسا بشكوك تحوم حول الخيانة أو رفض الطلاق. يدل ذلك على انتشار السلوكيات التقليدية البالية في تونس وهيمنة العقلية الذكورية والعقليات المتحجرة التي لم تتغير على مر السنوات. القوانين المناهضة للعنف في تونس وجلّ البرامج الموجّهة لدعم المرأة لم تنجح إلى حدّ الآن في حمايتها بالشكل الكافي ضد جميع أشكال العنف المسلطة عليها، تغيير العقليات وتربية الناشئة على حقوق الإنسان والمساواة ونبذ العنف والسلوكيات التقليدية البالية، يعد منفذا أساسيا للقضاء على هذه الظاهرة”.
” العُنف هو نتيجة وتقتيل النساء هو نتيجة لتنامي العُنف المتكرّر لذلك نحن نتحدث عن تقتيل وليس عن جريمة قتل ” صرّحت الباحثة المتخصصة في النوع الاجتماعي والكاتبة العامة بالجمعية التونسية لعلم الاجتماع نجاة عرعاري في تصريحها لموقع التونسية.
تصريح نجاة عرعاري
وذهبت عرعاري إلى أنّ تقتيل النساء يُعدّ سلوكا متطرفا تعرّضن له النساء من قبل أزواجهن وانتقدت في هذا السياق عدم تحقيق العدالة في حقّهن نظرا إلى أنّ جل القضايا لم تُنصف النسوة اللاتي قُتِلن وتابعت محدّثتنا قائلة ” في حالات التقتيل أغلبية النساء تعرّضن للتقتيل من طرف أزواجهن وقدّمن شكاوى في العنف ولكن لم يتم تنفيذ القانون والنتيجة كانت حياتهن هي الثمن”.
الأرقام مرعبة، ولكنها ليست مجرد احصائيات؛ إنها تمثل الأمهات والبنات والأخوات والصديقات التي خسرناهّن لصالح وحش الباترياركية الكاسر. إنها قصص في انتظار أن تُروى، روايات عن حياة سُلبت في المكان ذاته حيث كان ينبغي أن تشعُرن بالأمان. هذا ليس مجرد مسألة إحصائية؛ إنه صافرة إنذار تصمّ الأذان !
قتلُ النساء ليس مجرد نتيجة للغضب الفردي؛ إنه أعراض لداء اجتماعي عميق يزدهر في الثقافات التي تقلل قيمة النساء، حيث تنمو الكراهية للنساء دون رقابة، حيث يُنظر إلى النساء على أنهن ممتلكات بدلاً من شركاء متساوين. إنه يزدهر في بيئات حيث يسود الإفلات من العقاب، حيث تظل القوانين غير كافية، وحيث يفشل النظام القضائي في حماية مواطنيه الأضعف.
تقرير : الصحفية يسرى رياحي والصحفية عبير قاسمي