الوطنية

أنتيلجنسيا العقل البشري

“سيري، ما هي أحدث صيحات الموضة؟”، “سيري ما هي أكثر الأفلام مشاهدة؟” “سيري، ما الذي يحدث حول العالم؟”،
بسيطة هي أسئلتنا لـ”سيري” تلك القوة الخارقة التي جعلت من الاجابات أقرب من ضغطة زر، لترافقنا في كل رحلاتنا الشخصية والعلمية بحثا عن أفضل السبل لنيل الراحة وإشباع حاجتنا للخمول والاسترخاء. في الحقيقة “سيري” هي نحن ونحن هم “سيري”، قد يبدو الموضوع معقدا للوهلة الأولى لكننا لو تعمقنا في ذواتنا لوجدنا علاقة أبوة تربطنا بكافة الأجهزة الذكية التي تحيط بنا، انها تحصيلنا من المعرفة والبحث الإنساني مُجمعّا في مكان واحد، مُنضدا ومرتبا حتى يسهل علينا توثيقه والعودة إليه متى احتجنا دون شقاء.
مهلا، دعوني أعرفكم على سيري، هي ليست شقراء أجنبية تُمسك بموسوعة وتُجيبك عن أسئلتك، حتى لو دل اسمها على الأنوثة، ليس لسيري جنس أو لون أو طائفة أو دين. سيري هي واحد من الأمثلة الأولى عن الذكاء الاصطناعيّ.
ما الذكاءُ الاصطناعي؟
ها نحن نقدم جولة سريعة وممتعة حول الذكاء الاصطناعي وتأثيره الرهيب على حياتنا! ليس سحرا ولا شعوذة، إنها تقنية علمية تسمح للآلات بالتفكير والتعلم بنفسها، عبر تدريبها ومنحها أكبر قدر ممكن من المعلومات و والمعادلات الحسابية والمنطقية وطرق التفكير وحل المسائل بطريقة معقدة. هل تحب أجهزتك الذكية التي تسمح لك بالتحكم في درجة حرارة غرفتك أو تبث لك موسيقاك المفضلة عبر خاصية التعرف الصوتي على أوامرك دون حاجة لكتابتها؟ انها واحدة من تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تعمل على فرز الأصوات وتحويلها الى كلمات مفاتيح ثم تنفيذ ما طُلب منها، انها مسخرة لخدمتك ومواجهة التحديات وحلها بطرق أذكى وأسرع.
في الصناعات مثلا، الذكاء الاصطناعي يدفع الإنتاجية الى القمة! يعني أنّ الآلات تشتغل دون حاجة لمراقبة أو صيانة مستمرة وبالتالي يوفر لنا الوقت والجهد. الذكاء الاصطناعي يعني تحديد المشاكل وحلها قبل أن تحدث بالنسبة للتجارة والتسوق، الذكاء الاصطناعي رفيقك المفضل! يتوقع رغباتك ويقترح عليك أشياء تهمك، يعني أن تتسوق بدون مجهود وتحصل على أفضل تجربة تسوق من بيتك بناء على معلوماتك و تجاربك الخاصة واهتمامتك.
هذا “السحر” العلمي، موجود في مجال النقل أيضا ، مثل السيارات الذكية والقطارات المتطورة، التي تضمن رحلات آمنة وممتعة بدون مشاكل وحاجة لسائق.أما في التعليم، الذكاء الاصطناعي هو الأستاذ الجديد! يساعد في تحسين عملية التعليم وتوفير تجارب تعليمية ممتعة وشيقة عبر بسط المعلومات وتقديمها بطريقة سهلة وشرح ما يصعبُ فهمه وتقديم أمثلة إجابات لأسئلتك، ويساعدك حتى على التحضير ذهنيا لامتحاناتك عبر نصائح مخصصة لك.

لا يجب أن نضيع وسط غياهب مخاوفنا من التطور التكنولوجي وبحر شاسع الأفق من المصطلحات المعقدة. دعونا نتصالح مع “سيري ” وما تمثله على أنها ليست الا مفخرة لما وصلت إليه البحوث والاكتشافات على مر العصور التي سبقتنا. يحمل هذا المصطلح بين طياته تاريخا وماض لن نبسطه بتفاصيله لثرائه، بل يمكنكم حتى أن تسألوا “سيري” من هي وستجيبكم و تشبع جوع عقول المستفسرين.
استطاعت الالة اليوم محاكاة العقل البشري ومحاكاة قدرته على التفكير والاكتشاف وغيرها من الوظائف المعقدة ليصل الى حل أعقد المعضلات التي قد نمر بها يوميا عبر تحديد هوية من حولنا سواء بخاصية التعرف على الأصوات والصور وتحديد المواقع أو تحريك الآلات عن بعد بكفاءة عالية الدقة.
ان الذكاء الاصطناعي يتسلل أكثر فأكثر كل يوم الى حياتنا التي أصبحت فيلم خيال علمي من المستقبل…تداولت صفحات التواصل الاجتماعي والمنابر الإعلامية موضوع شركة “اوبر” واعدادها لخدمة توصيل الركاب بالطائرات بين “نيويورك” مطار جون اف كينيدي الدولي وشاهد الجميع بأحداق ُمتّسعة مفتُونة َخدمات شطائر ”ماكدونالدز” التي أصبحت تستعمل توصيل الطلبات لوجهاتها دون طيار.
استطاع الذكاء الاصطناعي ضمان الرحلات السريعة و الحياة السريعة و الخدمات السريعة وفي حديثنا عن الطائرات المحلقة دون طيار دعنا نضرب مثَل لدولة عربية لطالما عرفت بولائها لماهية الذكاء الاصطناعي و مجاراتها لآخر صيحات التكنولوجيا و سباقها اللانهائي مع الزمن ، هي دولة الإمارات العربية المتحدة التّي تَمكنت منذ سنوات مضت من اختبار أول طائرة دون طيار محلية الصنع لتكون بذلك من أفضل المحلقين عربيا خارج سرب الخوف من النمو و التطور التكنولوجي بل داعمة و مشجعة له و وللادمغة العبقرية.
إن الحديث اليوم عن ”أبطال الديجيتال” ليس مسلسَل كرتونيا مدة حلقته نصف ساعة سنتجاوزه بعد المشاهدة و سننام على أرائكنا حالمين به بل أضحى” أبطال الديجيتال” بيننا منتجين و خالقين و صانعين و مغيرين للواقع عبر ما تم إنتاجه من تطورات تكنولوجيّة منطلقُها َو منتهاها ذلك العقل البشري الصغير.

إبتسام المناعي، صحفية تونسية ومستشارة علاقات عامة مقيمة بالامارات العربية المتحدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى