”لا يُعدّ حرمان المرأة من المساواة في الحقوق في أنحاء كثيرة من العالم مجحفاً لها فحسب، بل يشكل عائقاً أمام قدرة البلدان على تعزيز التنمية الخضراء القادرة على الصمود والشاملة للجميع”
هذا ما صرّحت به – إندرميت جيل- رئيس الخبراء الاقتصاديين بمجموعة البنك الدولي والنائب الأول للرئيس لاقتصاديات التنمية ، تعليقا منها على نتائج تقرير ”المرأة وأنشطة الأعمال والقانون 2023” الصادر عن البنك الدولي في مارس 2023.
يتضمن تقرير ”المرأة وأنشطة الأعمال والقانون 2023” تقييماً للقوانين واللوائح في 190 بلداً في ثمانية مجالات تؤثر على المشاركة الاقتصادية للنساء، وهذه المجالات تتمثل في التنقل، ومكان العمل، والأجور، والزواج، والأمومة وريادة الأعمال، والأصول، والمعاشات التقاعدية.
وفقا للتقرير، تحصلت تونس على نتيجة قدَّرها خبراء البنك الدولي الذين ساهموا في إنجاز التقرير بـ 64.4 نقطة من أصل 100 كأعلى درجة يمكن إسنادها لتحتل بذلك المرتبة السادسة في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط والموقع 152 على الصعيد العالمي.
وفي محور حقوق الشغل ناهز رصيد تونس 75 نقطة في حين يناهز رصيد المرأة التونسية 0 من 100 في مجال المساواة في الأجر. وأظهر التقرير أنّ تونس تبقى على الصعيد القانوني في مراتب متأخرة في مجال ريادة الأعمال (75 نقطة) والحضانة (40 نقطة) وحق الملكية والتوريث (40 نقطة) والحقوق المرتبطة بالزواج (60 نقطة).
هذه الأرقام المتدنية ليست بالأمر المفاجئ ، لأنّ تونس على الرّغم من الإصلاحات التي قامت بها في اتجاه ضمان حقوق النساء وتحقيق تمكينهن الإقتصادي إلاّ انّ وضعية النساء لا تزال حرجة على كلّ الأصعدة.
النساء يتعرّضن إلى حدّ اليوم إلى كلّ أنواع العنف الذي وصل إلى القتل أحيانا. وفقا لوزارة المرأة، قد سجّلت تونس خلال الثلاثي الأول من سنة 2023، 921 حالة عنف منها 654 حالة القائم بالعنف هو الزوج أي بمعدل 71 % عنف زوجي. كما سجّلت 15 جريمة قتل للزوجات من قبل أزواجهن.
وهذا غيض من فيض…
تنوّعت التشريعات في تونس وتواترت وظلّ تطبيقها حبرا على ورق على غرار القانون عدد 58 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة.
تقرير البنك الدولي حول ”المرأة وأنشطة الأعمال والقانون 2023” استنتج أنّ نسبة المساواة في الأجر بين النساء العاملات والرجل معدومة تماما كما أنّ رصيد تونس من النقاط في الحضانة كان 40 نقطة. إنّ عدم المساواة في الأجر بين الجنسين والصعوبات التي تواجهها النساء في فترة الحضانة شكّلا عائقا أساسيا في عدم تحقيق تونس التمكين الإقتصادي للنساء والفتيات.
منظمة ”صحفيون من أجل حقوق الإنسان” ، وفي إطار مشروعها “عالم كندا: صوت للنساء والفتيات”، الذي يهدف إلى تطوير قطاع الإعلام وتعزيز الشراكات بين الحلفاء الرئيسيين نحو هدف تعزيز حقوق الإنسان للنساء والفتيات، قرّرت العمل على الدفع نحو إعادة مناقشة رفع مدّة عطلة الأمومة في تونس وذلك في إطار منح النساء العاملات العمل اللائق الذي يحمي صحتهن النفسية والجسدية.
على ماذا ينصّ القانون التونسي ؟
إنّ القانون عدد 112 لسنة 1983المؤرخ في 12 ديسمبر 1983 والمتعلّق بضبط النظام الأساسي العام لأعوان الدولة والجماعات العمومية المحلية والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية، نصّ في الفصل 48 المتعلّق بعطلة الولادة وعطلة الأمومة على ما يلي :
”تنتفع الموظفات بعد الإدلاء بشهادة طبية بعطلة ولادة مدتها شهران مع استحقاق كامل المرتب ويمكن الجمع بين هذه العطلة وعطلة الاستراحة
في نهاية راحة الولادة يمكن أن تمنح الموظفات بطلب منهن عطلة أمومة لمدة لا تتجاوز أربعة أشهر مع استحقاق نصف المرتب وذلك لتمكينهن من تربية أطفالهن وتمنح هذه العطل مباشرة من طرف رئيس الإدارة”.
على ماذا ينصّ مقترح تنقيح الفصل 48 للتمديد في عطلة الأمومة؟
ينصّ مقترح قانون عدد 2020/93 على ما يلي :
تنقيح الفقرة الأولى: ”تنتفع الموظفات بعد الإدلاء بشهادة طبيّة بعطلة ولادة مدتها أربعة أشهر مع استحقاق كامل المُرتب ويُمكن الجمع بين العطلة وعطلة الاستراحة”
تنقيح الفقرة الثانية: ”وفي نهاية هذه العطلة يُمكن أن تمنح الموظفات بطلب منهنّ عطلة أمومة لمدّة لا تتجاوز ستة أشهر مع استحقاق نصف المُرتّب وذلك بتمكينهنّ من تربية أطفالهن وتمنح هذه العطل مباشرة من طرف رئيس الإدارة”
إيجابيات مقترح التمديد في عطلة الأمومة
عطلة الأمومة هي فترة من الإجازة يتمّ منحها للأم بعد الولادة لتمكينها من التعافي الجسدي والعاطفي والاهتمام بطفلها الرضيع. وتعتبر هذه العطلة حقًا قانونيًا في العديد من الدول، وتهدف إلى توفير الدعم والراحة اللازمة للأمهات في هذه المرحلة الحيوية من حياتهن.
التمديد في عطلة الأمومة يمنح الرعاية الأمثل للطفل الرضيع إذ يُتيح التمديد في هذه العطلة للأم إمضاء فترة أطول للإسترخاء والتعافي بعد الولادة، ويساعدها على تقديم رعاية أفضل للطفل الرضيع مما يُساهم في تحقيق نمو متوازن له. كما يُساعد التمديد في عطلة الأمومة على دعم وتعزيز الرضاعة الطبيعية التي تتطلب وقتًا وجهدًا، وذلك التمديد يمنح للأم والطفل فرصة أكبر لإقامة رابط قوي يضمن لهما الراحة النفسية والجسدية ويعزز الروابط العائلية.
وفقا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة ، إنّ الملامسة الجسدية الفورية بين الأم والرضيع تُساعد في تنظيم درجة حرارة المولود الجديد وتعريضه للبكتيريا المفيدة من بشرة أمّه حيث تقي هذه البكتيريا المفيدة الرضّع من الأمراض المعدية وتساعد في بناء أجهزتهم المناعية.
أيضا، يُساهم التمديد في فترة عطلة الأمومة في تعزيز الراحة النفسية للأم من خلال التأقلم مع الدور الجديد لها والتأقلم مع التغيّيرات الشخصية والعائلية ويوفّر لها التعافي الجسدي والعاطفي بعد الولادة.
وبالتالي ، إنّ التمديد في عطلة الأمومة يساعد على تعزيز توازن حياة العمل والحياة الأسرية، ويُمكّن الأم من العودة إلى العمل بعد انتهاء فترة الأمومة بحالة صحية جيدة واستعداد كافٍ.
التداعيات السلبية الناتجة عن عدم التمديد في عطلة الأمومة
تحتاج الأمهات إلى وقت كافٍ للتعافي والتأقلم مع التغيّيرات الجسدية والعاطفية التي يجلبها الإنجاب، وقد تتعرض الأم للإجهاد والتعب الناجم عن العودة المبكرة للعمل بعد الولادة. كما يؤثر قصر فترة عطلة الأمومة على قدرة الأم على تقديم الرعاية اللازمة للطفل وتعزيز الرضاعة الطبيعية.
إضافة إلى الإجهاد والتعب الذي قد تُعاني منه الأم وصعوبة توفير الرضاعة الطبيعية للطفل نظرا لقصر عطلة الأمومة، قد يشعر الوالدان أيضا بالضغط الناجم عن عدم تواجدهما مع الطفل في فترة حساسة من نموه وتطوره.
والشائع في عدّة حالات أنّ نسبة كبيرة من النساء العاملات يُضطررن إلى الإنقطاع عن عملهن للإهتمام بأطفالهن وذلك نتيجة لعدم تمتّعهن بعطلة أمومة كافية وهو ما يخلق أمامهن صعوبة في الحفاظ على التوازن بين حياتهن المهنية والأسرية.
التضيّيقات التي تتعرّض لها المرأة الحامل في العمل
يُعدّ التميّيز في التوظيف من أبرز التضيّيقات التي تواجهها المرأة الحامل للحصول على فرصة عمل، حيث تتعمّد العديد من المؤسسات وغالبا، الخاصّة، سياسة انتداب العازبات وغلق فرص العمل أمام المتزوجات.
بالنسبة للمرأة الحامل، غالبا تتعرّض داخل المؤسسة للتميّيز والمضايقات من قبل الزملاء أو الرؤساء مما يؤثر على راحتها وأدائها في العمل. بالإضافة إلى أنّ بعض أماكن العمل تفتقر إلى إجراءات وسياسات صحية وسلامة مناسبة لتلبية احتياجات المرأة الحامل.
لنُشر في هذا المقال أنّ منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) ومنظمة الصحة العالمية، دعا إلى أن يتمّ اعتماد الرضاعة الطبيعية الحصرية خلال الأشهر السّتة الأولى من حياة الطفل، على أن يبدأ ذلك خلال الساعة الأولى بعد الولادة، ذلك أنّ الاستمرار في الرضاعة الطبيعية حصراً — دون أي طعام آخر — خلال الأشهر الستة الأولى من عمر الطفل يعزّز نموّه الحسّي والإدراكي ويقيه من الأمراض المعدية والمزمنة.
كما دعت منظمة الأمم المتحدة للطفولة إلى عدم إجبار النساء العاملات على الاختيار بين الرضاعة الطبيعية والعمل. وتوصي منظمة العمل الدولية الحكومات بمنح المرأة الحق في إجازة أمومة مدفوعة الأجر لمدة 18 أسبوعاً وضمان أن يتوفر لها الوقت والمكان للاستمرار في الرضاعة الطبيعية عند عودتها إلى العمل. وتوصي اليونيسف باتّباع هذه التوجيهات باعتبارها الحدّ الأدنى من المتطلبات.
تعتبر عطلة الأمومة جزءًا أساسيًا من حقوق المرأة وحماية صحتها وصحة طفلها، وتلعب دورًا هامًا في تعزيز الصحة العامة والتوازن في المجتمع ، لذلك يجب أن تتمتع المرأة الحامل بحقوق وحماية قانونية للحفاظ على صحتها وسلامتها في مكان العمل.
تعمل النساء في مختلف القطاعات في تونس، بما في ذلك القطاع الحكومي والخاص والمنظمات غير الحكومية. كما تُعتبر المرأة العاملة جزءًا مهمًا من القوى العاملة في البلاد، وتشغل مناصب مختلفة في مختلف المجالات بما في ذلك الطب والتعليم والصحافة والسياسة والقضاء والأعمال والتكنولوجيا.
ومع ذلك، فإن هناك تحديات لا تزال تواجه المرأة العاملة في تونس على الرغم من التقدم المحرز، فإن هناك اختلافات في فرص العمل والأجور بين الجنسين، وكذلك التحديات التي تواجه المرأة في الوصول إلى مناصب قيادية والترقية في المجالات المهنية.
مقال بقلم الصحفية يسرى رياحي