الوطنية

الدكتور سفيان العبيدي ل”التونسية ”: الذكاء الاصطناعي أحدث طفرة تكنولوجية غير مسبوقة تثير قلق وجودي

يُعد الذكاء الاصطناعي موضوعاً حيوياً وراهناً في شتى مجالات الإستثمار الرقمي في الصناعات والخدمات ومنها صناعة الصحافة والإعلام والاتصال. والتقدم السريع في هذا المجال يطرح رهانات كبيرة ويثير تساؤلات تبحث بشكل عميق حول واقع ومستقبل المهنة والمهنيين .
حول هذا الموضوع نظم معهد الصحافة وعلوم الإخبار يومي الخميس والجمعة 27 و28 أفريل الملتقى العلمي الدولي حول هذا الموضوع تحت عنوان “علوم الإعلام والاتصال زمن الذكاء الاصطناعي الواقع والآفاق.”
أثثته مداخلات علمية من باحثين تونسيين وأجانب
حول زوايا نظر شتى من الظاهرة.

حول هذا الملتقى حاورنا الدكتور سفيان العبيدي أستاذ الميديا الجديدة بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار والباحث المختص في التحولات التكنولوجية للإعلام والاتصال.

بداية ماهي صحافة الذكاء الاصطناعي؟

صحافة الذكاء الاصطناعي هي صحافة قائمة بشكل أساسي على تقنيات حوسبة رقمية تعتمد الخوارزميات والتعلم الآلي وتحليل البيانات لتوليد وتحرير مادة صحفية ما بدون التدخل البشري كإنتاج المقالات، والتعليقات، والتحليلات، والتقارير الصحفية فضلا عن تحديد موضوعات الأخبار الرئيسية وترتيبها وتوجيه الصحفيين نحو المواضيع التي تلقى اهتماما واسعا من الجمهور. كما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد الصحفي في إنجاز تقارير التوقعات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

تنظيم هذا الملتقى الدولي من أجل التفكير في الصحافة في عصر الذكاء الاصطناعي
والتحديات التي يواجهها الصحفيون حول تطبيق هذه التكنولوجيا يحيل إلى واقع التكوين والتدريب، فهل فكر معهد الصحافة وعلوم الإخبار في إعادة التفكير أيضا في أساليب ومناهج ومواد تتوافق مع ما يطلبه هذا التحول الكبير في المهنة؟

طبعا، فموضوع الملتقى هو إقتراح وتنسيق علمي لأستاذين من معهد الصحافة وعلوم الإخبار وهما الدكتور وليد حيوني والدكتورة يسرا ڨزبار، أيضا عدد هام أعضاء اللجنة العلمية هم أساتذة المعهد، فضلا على إدماج طلبة الاختصاصين ، الصحافة والاتصال، من جميع المستويات في ورشات عمل وإنتاج عن الملتقى هو يعكس إيمان الإطار التدريسي للمعهد بضرورة محايثة كل تطورات مهن الصحافة والاتصال
أما مسألة التكوين على استغلال الذكاء الاصطناعي فنحن في الحقيقة في البدايات كشأن جل جامعات العالم ولكن مثلما أحدثَ معهد الصحافة وعلوم الإخبار مواد واختصاصات ماجستير مهني تستجيب لتطور الصحافة الرقمية وسوق الشغل كصحافة الموبايل وصحافة البيانات والصحافة متعددة المنصات لم لا يُحدث متى توفرت الامكانيات اللوجستية ماجستير مهني في صحافة الذكاء الاصطناعي فضلا عن مساقات في مرحلة الإجازة للتدريب على توظيف هذه التكنولوجيا بشكل مهني وفعال ومستدام لتحسين عملهم وتقديم تغطية إعلامية وفق أخلاقيات المهنة.
على كل هذا الملتقى قد يكفي لاستشراف توجهات معهد الصحافة وعلوم الإخبار التكوينسة في صحافة وإتصال الذكاء الاصطناعي

كيف تنظر إلى توظيف الذكاء الاصطناعي لأداء مهام صحفية، هل يمكن للقدرات الهائلة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي أن تلغي دور الإنسان؟

الشرط الإنساني للفعل الصحفي الجاد والجيد باقٍ ما بقيت الصحافة. صحيح أن الذكاء الاصطناعي أحدث طفرة تكنولوجية غير مسبوقة تثير قلق وجودي منطقي في مجالات شتى من مجالات حياتنا ويطرح تساؤلات عميقة عن مستقبل الإنسان في عديد المهن وليس الصحافة فحسب، ولكن الصحافة بماهي ممارسة جادة محترفة للنقاش العام وللفعل النقدي رسالتها تنوير المجتمع لا يمكن أن تتحرك خارج مركزية الإنسان..
حتما يمكن الاستفادة بشكل كبير من الذكاء الاصطناعي لأداء مهام معينة في الصناعة الصحفية والإعلامية لتسهيل مهمة الصحفي ولكن قطعا ليس لتعويضه أو إلغائه. والآلة مهما بلغت إمكانياتها الهائلة لا يمكنها أن تمتلك الروح والمشاعر والقيم ضد الحروب والمجاعات والديكتاتورية والفساد والعنصرية والإرهاب أو غيرها من قضايا راهنة لمجتمع ما في زمن ما فهي تعالج أي موضوع عبر معادلات رقمية يولدها الذكاء الاصطناعي من البيانات بمنطق أداتي خواريزمي خالٍ من الوعي والإدراك والحس. كما لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يمتلك ملكات تأويل السلوك الإنساني المعقد واضطراباته المحكومة بسياقاته المخصوصة في الزمان والمكان والموقف والسن والعقيدة وغير ذلك والتي تشترط لفهمها المعاينة الحسية من الحدس والنظر ورصد المشاعر في تفاصيل الفرد أو الجماعة موضوع الفعل الصحفي.
فضلا على أنه يجب أن يكون الإنسان هو مرجع القيم للممارسة وعليه تقع المسؤولية الأخلاقية والجزاءية لأن التقارير الإخبارية الاصطناعية ليست عالية الدقة والموثوقية بل يشوبها كثير من التضليل إذا لم يراجعها الإنسان بالتحري والاتصال المباشر مع المصدر ثم تقرير مصيرها بالنشر او التعديل او التدقيق أو عدم النشر.
كما سيكون للصحفي الميداني الذي يعاين الحدث ويتنقل إليه ويكون تحقيقه الصحفي أو حواره مبنى على المباشَرة والإصرار في السؤال وعلى الإجابة ويتفاعل معها ويحرج صاحبها متى وجب ذلك مهنيا سيكون له دور أهم في مستقبل الصحافة لأنه كلما إقتربنا من أَنسنةِ الجوانب النقدية من الفعل الصحفي كلما إقتربنا من الصحافة الجيدة النافذة.

تطرح استعمالات الذكاء الصناعي في عالم الصحافة والإعلام عدد من المخاوف مثل موثوقيته في التقارير الإخبارية ودور الخوارزميات في التحكم في المقالات التي تصل إلى الجمهور والمسؤولية الأخلاقية والجزاءية، ماهي قراءتكم لهاته الاشكاليات؟

طبعا يجب توجيه الجهود الفكرية والعلمية نحو استخدام مسؤول وأخلاقي لهذه التكنولوجيا وهو واحد من محاور الملتقى الرئيسية. لا يمكن إستشراف مستقبل الصحافة مهما توسعت آفاقها وتطورت أدواتها خارج قيمها التاريخية وبالتالي وضع معايير أخلاقية تؤطر توظيف الذكاء الاصطناعي في الصحافة والإعلام شرط حتمي للحفاظ على قيم المهنة ونزاهة الممارسات وضمان حماية الحقوق الأساسية للأفراد.
والنقاشات قائمة منذ سنوات من المجتمع العلمي وصناع المهنة حول أخلاقيات صحافة الذكاء الاصطناعي وكيفية عملها بشكل مسؤول ومستدام تحمي الجمهور والصحفيين على حد سواء من أي استخدام غير أخلاقي للتكنولوجيا.

في سياقات الوضع التونسي الراهن أي فرص لتونس للاستفادة من الذكاء الاصطناعي للنهوض مجددا من كبوات السنوات الماضية اقتصاديا خاصة؟

أضرب لك مثالا قبل أن أجيب بشكل مباشر، أنظري في صفقة استحواذ بيونتيك لصناعة الأدوية على شركة انستا ديب التونسية، المتخصصة في مجال الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، برقم يعدل عدد من قروض الدولة التونسية وهو حوالي
1,5 مليار دينار تونسي.
تأسست شركة “إنستاديب” في تونس منذ أقل من عشر سنوات.
الشاهد في المثال أن ميزة التحولات الناشئة عن الثورة التكنولوجية، ومنها الذكاء الاصطناعي هي أن آفاقها الاستثمارية كبيرة جدا ولا تتطلب ميزانيات فلكية كالصناعات الكبرى، فضلا على أن مجالاتها واسعة ومتعددة وتمس كل مجالات الحياة في عصرنا الحديث. وهي وإن تشهد حرب احتكار وسبق بين الدول العظمى وخاصة بين الصين والولايات المتحدة فإنها أسواق مفتوحة بشكل أكبر من الصناعات الأخرى الثقيلة التي لا يمكننا رأب الفجوة مع أربابها والتنافس فيها. وبالتالي الاستثمار في الذكاء الاصطناعي يجب أن يكون إستراتيجية دولة تقوم على تخطيطات قريبة ومتوسطة وبعيدة تبدأ من تعزيز مجالات تعلمها والتعليم بها في السنوات المقبلة.
. لن تكون أدوات التعليم التي نتعلم بها ونحصل بها على المعرفة وندرب بها هي نفسها في المستقبل، سيكون اكتساب المهارات الرقمية في صميم جميع البرامج التعليمية. علاوة على ذلك، يجب أن نتعلم كيف نتعلم لأن سرعة الابتكار تعمل على تغيير سوق العمل بسرعة غير مسبوقة في تاريخ الثورات المعرفية جميعها . ولا تختص هذه الثورة التكنولوجية المجالات التكنولوجية فحسب بل هي تمس كل العلوم الإنسانية مثل التاريخ والفلسفة والأدب، في تبادل المعرفة وتطوير قدرتنا على العمل والابداع في عالمنا سريع التغير. واليوم يتم استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الثقافة على نطاق واسع، على سبيل المثال، في استعمال الصور المستخدمة لإعادة إحياء التراث المعماري. وهو ما نعمل أن يكون مشروع الدورة الثالثة لأيام الصورة الفوتوغرافية بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار
حيث تتيح تطبيقاته حلولًا للإبتكار والإبداع .

ماهي مخاطر الذكاء الاصطناعي حسب رأيك؟

مخاطره هي في نوايا ومجالات توظيفه من البشر. الذكاء الاصطناعي عكس ما يُروج عنه من أساطير لا يملك الوعي والإدراك والفهم ولذلك يصطلح على عمله مفهوم تعلم الآلة أي هو قادر على التعلم من البيانات الضخمة لإنتاج منتوج غير بشري في مخرجاته النهائية فحسب. ولكنه لا يفكر خارج ميكارنيزمات الحوسبة التي برمجه عليها الإنسان.
أي إذا تمت برمجته على خوارزميات تنتهك حقوق الإنسان الأساسية من الخصوصية وسرية البيانات فإنها سينتهكها من أجل توظيفها في التأثير على حرية الاختيار وفي توجيه الرأي العام. وماحدث في الانتخابات الأمريكية في 2016 ليس ببعيد عندما تم تسريب لرسائل بريد إلكتروني المرشحة آنذاك هيلاري كلينتون فأثر بشكل كبير في هزيمتها بعد أن كانت متقدمة طوال الحملة قبل تسريب هذه الإيميلات.
فضلا على أنه عندما تكون رغباتنا معلومة ومتوقعة خلال بيانتنا يسهل استغلالها في نمذجة قيم وقناعات وآراء تعطل الوعي النقدي وملكات التحليل للفرد..
وبالتالي مخاطر الذكاء الاصطناعي هي في النهاية مخاطر الاخلاقيات البشرية في توظيفه.
هناك مخاطر ظرفية وهي القدرة التشغيلية لكل القطاعات التي ستجد بدائل آلية عن الانسان لأداء مهام معينة ولكن كما قلت أعتبره خطرا ظرفيا لأن الإنسانية قادرة على تجديد وابتكار وظائف تجعل من الإنسان محور الفعل والإبداع والخلق والابتكار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى