وكالة إحياء التراث من موقع أوذنة تُعرّف بـ تونس أرض الحضارات رقميا
” نشتغل على جانب من تُراثنا غير معروف لنساهم في التعريف به ولنمكّن الأجيال القادمة من التعرّف أكثر على تراث البلاد من خلال هذه الأشرطة القصيرة” كان هذا تصريح المديرة العامة لوكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية آمال حشانة لموقع التونسية يوم الإثنين 20 فيفري 2022.
جاء هذا التصريح في إطار اليوم الإعلامي الذي نظّمته وكالة إحياء التّراث والتنمية الثقافيّة بالموقع الأثري ”أوذنة”، للترويج لأشرطة وثائقيّة أنتجتها في إطار تثمين التّراث الثّقافي المادّي وغير المادّي ضمن مشروع ”تونس أرض الحضارات تراث ثقافيّ غنيّ ومتنوّع والتعريف به والتوثيق له عبر المحامل الرقمية و السمعية البصرية”.
خلال هذا اليوم الإعلامي، قدّمت وكالة إحياء التّراث والتنمية الثقافيّة أعمالا فنية أنتجتها في شكل أفلام وثائقية قصيرة ، سعت من خلالها إلى لفت النظر للتراث الثقافي المادي وغير المادي بكلّ من ولاية القصرين و ولاية باجة بالتحديد ”تستور” ، بالإضافة إلى التعريف والتوثيق للمهن الحرفية المنسية مثل ”صناعة السّرج” و ”صناعة الفخار بالبرامة”.
انطلق اللقاء بعرض فيلم وثائقي قصير بعنوان ”القرميد التقليدي بتستور” للمخرج منصف بسباس، ليأخذنا في جولة للمعالم الأثرية التي تزخر بها مدينة تستور التابعة لولاية باجة وسلّط النظر على أهمّ حرفة يدوية تمتاز بها هذه المدينة ذات المعمار الأندلسي.
تستمد تستور شهرتها من تاريخها الموريسكي الأندلسي، وكشف لنا الفيلم تحفة معمارية تُميّز تستور وهي ”الجامع الكبير” الذي تمّ تشيّيده سنة 1931م من قبل محمد تاغارينو الذي وفد على تونس في سنة 1609م.
يعكس ”الجامع الكبير” المعمار الأندلسي الأصيل، تمّ تشيّيده من خلال طهي القرميد الأحمر المقوس على الطريقة الطليطلية وباستعمال الحجارة من المواقع الأثرية الرومانية المتاخمة. وما يُميّز هذا المعلم الأثري أكثر هو مئذنته التي تتميز بالنقوش والعناصر المعمارية الأندلسية بالإضافة إلى الساعة التاريخية الموجودة في أعلاها والتي تدور عقاربها عكس عقارب الساعة العادية.
وفي مشاهد فنية مترابطة ومتناغمة تُبرز المعمار الأندلسي الجميل، أخذنا مخرج الفيلم إلى الموروث التاريخي الثقافي الذي تتميّز به مدينة تستور، ألا وهو ”صناعة القرميد التقليدي”. نلاحظ من خلال ما صرّح به المختصون في صناعة القرميد الموريسكي أنّ هذه الحرفة هي مصدر رزقٍ لهم وهي كذلك فخرٌ لهم وحين نقول صناعة القرميد في تستور ، نقول مباشرة الحرفي ”محمد المناعي” وهو آخر حرفي في هذا الموروث الثقافي الذي قال في هذا الفيلم حرفيا ”لن أسلّم في هذه الحرفة”.
إنّ ”القرميد” هو عبارة عن قطع تتشكّل من الطّين المحروق وله ألوان مختلفة ويضفي على المنازل جمالا ويمنع تراكم الثّلوج على الأسطح ويحول دون تسرّب مياه الأمطار. في هذا السياق يجب أن نؤكّد أنّ الحرفيين المختصين في صناعة القرميد في حاجة إلى تمويل ودعم مادي من قبل المصالح المختصة.
انتقالا من جمال تستور وبريقها الأندلسي، أخذنا المخرج منصف بسباس في الفيلم الثاني والذي يحمل عنوان “صناعة الفخار بالبرامة” إلى ولاية سليانة وبالتحديد منطقة ‘البرامة’ التابعة لمعتمدية قعفور.
يكشف هذا الفيلم مدى أهمية المرأة التي سخّرت جهدها وطاقتها في صناعة ”الفخار” الذي تمتاز به منطقة البرامة، كما نلاحظ أنّ هذه الحِرفة تُمارسها النسوة والفتيات والأطفال لتكون موروثا ثقافيا غير ماديّ يمرّ عبر الأجيال كي لا تعرف صناعته طريق الاندثار أبدا.
في تعريفها لكلمة البرامة تقول إمرأة مُسنّة تزخر تقاسيم وجهها بتاريخ البلاد ” البرامة هي عُشبة تتبارك بها الفتيات المقبلات على الزواج لإنجاب الذكور وذلك من خلال شُرب مائها بعد تغليتِها”.
يوثّق هذا الفيلم انفراد النساء فقط في صناعة الفخار من خلال جلبهنّ للطين الأسود من بحيرة البرامة والذي يتمّ خلطه بالطين الأصفر ، كما تقُمن برحي الحجارة عبر الرحى اليدوية القديمة ويتمّ تصفيته في ما بعد عبر ”الغربال”.
”نعيش منها هذه المهنة ، لا أراضي لنا ولا هناشير” قالت إحدى النساء في هذا الفيلم والتي أكّدت أنّ استمرارية هذه الحرفة في حاجة إلى المياه والحطب الذي باتت المنطقة تُعاني من ندرتهما. كما أضافت إمرأة أخرى قائلة ” لا يُمكن أن نعيش دون هذه الحِرفة التي توارثناها عن أجدادنا”.
ومن أنامل نساء البرامة التي تنقش بالطين صناعة الفخار، سافرنا مع المخرج سليم العابد إلى ولاية القصرين في فيلمه الوثائقي “القصرين أرض التاريخ” وذلك بأعين الفتاة مريم ذات 24 سنة.
هذه الفتاة التي تعتزّ بجذورها وأصولها الحضارية المرتبطة بولاية القصرين، نقلت عبر هذا الفيلم أهم وأبرز المعالم التاريخية والأثرية التي تزخر بها جلّ المُدن التابعة لهذه الولاية التاريخية مثل منطقة حيدرة و تلابت وتالة وسبيبة وسبيطلة.
ومن ربوع القصرين ومعالمها الأثرية ، أخذنا المخرج مروان المولدي عبر فيلم ”صناعة السرج والتراث المتعلق بالفروسية” إلى حرفة صناعة السّرج وتاريخها القديم وكيفية تطوّر صناعة السّرج الخاصّ بالخيول المُعدّة لسباق الفروسية.
بعد مشاهدتنا لهذه الأعمال الفنية ، وجب التنويه بالمجهود الذي تقوم به وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية في سبيل التعريف بالتراث المادي واللامادي الذي تزخر به كلّ مناطق البلاد التونسية والأمر المُميّز الذي يدعو إلى الثناء والإشادة به هو اعتماد الوكالة على المحامل الرقمية والسمعية البصرية لتوثيق هذا الإرث وهو ما يُساهم في إيصال جذب الجمهور وخاصّة الأطفال والشباب منهم وضمان تناقل هذه المحامل عبر الأجيال.
ومساهمته في دعم التنمية المستدامة مع المحافظة على خصوصياته. وضمن برنامج اليوم الإعلامي، تم عرض أربعة أشرطة وثائقية أنتجتها وكالة إحياء التّراث والتنمية الثقافيّة المتوفرة بلغات ثلاث هي العربية والفرنسية والانجليزية.
ولمزيد الترويج لصورة تونس الثقافية والحضارية في الداخل والخارج، تعمل وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية على ترجمة الأفلام السابق ذكرها إلى لغات أجنبية أخرى تجلب نظر السُياح إلى أرض الحضارات تونس التاريخ ، تونس الفنّ.
يسرى رياحي