الوطنية

الاتحاد العام التونسي للشغل و معركة المنعرج الأخير

يختزل البعض وزن الاتحاد في ثقله النقابي أو رمزيّته النضاليّة و التاريخيّة و هذا لا خلاف فيه و لا حوله و لكنّ إذا وسّعنا مفهوم السّلطة و تجاوزنا اختزالها في النفوذ و الأجهزة و ترصّدنا مواقف الاتحاد في المعارك الكبرى سندرك أنّة المحرار الحقيقي و البوصلة الحقيقية لكلّ المسارات و كلّ السائرين فيها .
بعيدا عن ” الثرثرة العامّة” و الضجيج الذي ينتمي خطابا للمشهد السياسي و مضمونا لتجارة الشأن العام كان الاتحاد العام التونسي للشغل القوّة الرئيسية الأولى و المحدّدة و الحاسمة التي حوّلت الاسلام السياسي العنيف و المتعطّش للسلطة في 2013 إلى قوّة هادئة مسالمة تقبل بالحوار و بمخرجاته بما فيها إزاحته جزئيا عن الحكم و قدّ مهّد الاتحاد بشكل لا يبصره “إلاّ الراسخون في السياسة ” لإعادة التوازن للمشهد السياسي المختل .
اليوم و في جمهوريّة الأخلاق الحميدة حيث لا توجد علامات و لا احداثيات و الكلّ يطرح سؤال “المصير” و المآلات و في هذا المشهد المتشضي الذي زادته غموضا سجوف الضباب المفتعلة التي ما انفكّت تحدثها الأجهزة فيما يتعلّق بالمحاسبة العجيبة في موضوعها و إجراءاتها و المعنيين بها، يبقى الاتحاد الواحد الموحّد القوّة الوحيدة التي فرضت على السلطة السياسيّة أن تدّخر صراعها معها للحظة حاسمة يعلم الاتحاد أنّها لن تأتي و لا تعلم السّلطة أنّه ينتظر لحظة موضوعية قادمة لا محالة و أنّ ما يعطّل المسألة هوّ رغبة قيادة الاتحاد في التأثير المشروط بالتمايز عن جبهة الخلاص و الالتحام بجبهة المخلصين للدّولة الاجتماعيّة و الدوّلة الوطنيّة .
ليس الاتّحاد من القوى المعنيّة بالتكتيكات الظرفيّة لربح المساحات في المشهد و في الفضاء العام و لا بالتناقضات و الصدامات بل لديه استراتيجية واحدة يمكن اقتفاء أثرها في المواقف الكبرى في المعارك الأكبر هذه المواقف تثبّت الاتحاد مركز كلّ التقاطعات في العمليّة السياسية و أمّا فيما يتعلّق بالسلطة فقد أتقن رسم الحدود معها في الجمهوريّات الثلاث .
اليوم و بعد أن تلاشى إلى حدّ كبير المزاج العام المساند لمؤسّسة الرئاسة التي ظهر عجزها و قصورها عن إدارة المرحلة و بعد أن استهلكت و اهترئت تنظيمات الجمهوريّة الثانية بفعل أخطائها بكلّ أنواع أخطائها و خطاياها المرتكبة في حقّ البلاد و العباد و لم يبق في المشهد إلاّ الدستوري الحرّ و قوى اليسار كقوى احتجاجيّة لا يمكن إقحامها في الصراع على السّلطة يعود الاتّحاد ليكون كعادته ضابط الإيقاع للسمفونيّة الصراعية بين جمهوريّة ليبرالية تقودنا السلطة الحالية إليها من ارتفاعها الشاهق و جمهوريّة اجتماعيّة لصيقة بالاتحاد آخر قلاعها و حصونها لنكون أمام حصيلة موضوعيّة جديدة تفرض على الجميع بما فيها القوى المتشّكلة في الآونة الأخيرة ليلتقي الجميع في ترديد شعار واحد و وحيد ” إنّا إلى الاتحاد و إنّ إليه لراجعون” .
خلاف ذلك من القراءات يقودنا إلى الإرادوية و الجهادية السياسية بما يستتبعه ذلك من خطابات الدجل و الشعوذة السياسية و إن اختلفت الأصوات و المواقع .
فوزي النوري محلل سياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى