الوطنية

في العلاقة بين الفساد الجبائي والتفريط في موارد الدولة واغراق تونس في المديونية

بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد وبالأخص الجبائي والتشريعي، نشير الى ان الفصل 2 من القانون عدد 10 لسنة 2017 المتعلق بالتبليغ عن الفساد وحماية المبلغين صنف التهرب الجبائي ضمن مظاهر الفساد. ذاك القانون المخالف بصفة صارخة لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وبالأخص فصليها 32 و33 المتعلقين بحماية المبلغين عن الفساد والشهود والضحايا والخبراء لم يوفر اية حماية للمبلغين عن الفساد الذين تركوا لمصيرهم حيث يتم التنكيل بهم وتعذيبهم وتجويعهم وسجنهم. ورغم تصنيف التفريط في موارد الدولة الجبائية وغير الجبائية كمظهر من مظاهر الفساد الا ان الفساد التشريعي حال دون وضع الاحكام التي من شانها التصدي بصفة ناجعة وفعالة للتهرب الجبائي ونهب ثروات الشعب. فعلى سبيل المثال لا الحصر، تم تجاهل طلباتنا المنادية بملاءمة التشريع التونسي مع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد. كما تصدى الفاسدون للمقترحات التي من شانها تعبئة موارد الدولة وبالأخص الجبائية وتحرير البلد من شراك المديونية كاشتراط الانتفاع بالمرفق العمومي بسلامة الوضعية الجبائية للمطالب بالأداء والتنصيص على عدم سقوط حقوق الدولة بمرور الزمن تكريسا لمبدا المساواة وتحوير القانون المتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح لكي يشمل كل المقيمين بالتراب التونسي وتحوير الفصل 92 من قانون مكافحة الإرهاب وتبييض الأموال المخالف لتوصيات مجموعة العمل المالي والمبادئ العشر الدولية الموضوعة من قبل منظمة التعاون والتنمية في المجال الاقتصادي والمتعلقة بمكافحة التحيل الجبائي وبالأخص المبدأ 7 لكي يشمل كل الجنح بما في ذلك الجرائم الجبائية ووضع سجل وطني لممارسي كل أصناف الجرائم الجبائية والاقتصادية والمالية وتكريس استقلالية المجلس الوطني للجباية المشلول منذ سنة 2002، على غرار مجلس الاقتطاعات الوجوبية بفرنسا، حتى يقوم بدوره في تكريس العدالة الجبائية وتحوير الفصول 39 و42 و60 و118 و120 و130 من مجلة الحقوق والإجراءات الجبائية التي تسمح، حسب التأويل الفاسد للإدارة، للمتحيلين والسماسرة والفاسدين ومخربي الخزينة العامة من منتحلي صفتي المستشار الجبائي والمحامي بالتدخل في الملفات الجبائية حيث نصت على انه بإمكان المطالب بالأداء الاستعانة “بمن يختاره” عوض “بمستشار”. من لا يعرف ان الفاسدين من داخل وخارج الإدارة عرقلوا مشروع القانون المتعلق بتنظيم مهنة المستشار الجبائي المحكومة بقانون 1960 المتخلف بالنظر للمعايير الموضوعة من قبل الكونفدرالية الأوربية للجباية الممثلة لأكثر من 200 الف مستشارا جبائيا موزعين على اكثر من 26 بلدا اروبيا وذلك خدمة للسماسرة ومخربي الخزينة العامة والفاسدين ومنتحلي صفة المستشار الجبائي والمحامي واستجابة لرغبة المهن المعادية المنادية بعدم اصدار ذاك المشروع الذي لا يرمي الى التوسيع في مهام المستشار الجبائي او الاعتداء على مجال تدخل المهن المعادية التي هي بصدد اصدار من حين لآخر بيانات تضليلية وكاذبة تنم عن جهل بالقوانين المهنية المحددة بدقة لمجال تدخل أي مهنة. ان الحكومات التي استجابت لتلك الرغبة التي تعبر عن حالة مرضية مستعصية وغريبة منذ سنة 1994 لا يمكن ان تكون الا فاسدة ومجرمة ومتخلفة. أيضا، عرقل الفاسدون المقترح المتعلق بالتصدي للسوق الموازية من خلال رفض التنصيص صلب الفصل 14 من مجلة الضريبة على دخل الأشخاص الطبيعيين والضريبة على الشركات على عدم طرح من أساس الضريبة الاعباء بما في ذلك الاستهلاكات المتعلقة بمبالغ مدفوعة الى اشخاص يباشرون انشطة اقتصادية ومهنية بصفة مخالفة للتشريع الجاري به العمل، علما ان هذا المقترح تم تبنيه في الكامرون في اطار قانون المالية لسنة 2012. كما تصدوا لمقترحاتنا المتعلقة بملاءمة القوانين الفاسدة والصورية التي تم تمريرها عن مضض بضغط من الجهات المقرضة والمانحة وبالأخص صندوق النقد الدولي مع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي يدوسون على احكامها الى حد الان والمتعلقة بالنفاذ الى المعلومة وحماية المبلغين عن الفساد والحوكمة والتصريح بالمكاسب والمصالح والقطب القضائي الاقتصادي والمالي. أيضا، رفضوا تطهير التشريع الجبائي من الاحكام الفاسدة التمييزية وغير الدستورية التي تكرس النهب والابتزاز واغتصاب مجال تدخل المستشار الجبائي والمحامي والتي تشترط الانتفاع بحق بمصادقة مراقب حسابات على القوائم المالية لصنف من المؤسسات دون سواها كالفصل 15 من مجلة الاداء على القيمة المضافة والفصل 19 من قانون المالية لسنة 2015 والفصل 47 من قانون المالية لسنة 2016 والفصل 54 من مجلة الضريبة على دخل الاشخاص الطبيعيين والضريبة على الشركات التي كرست حالة من التمييز بين المطالبين بالأداء الملزمين وغير الملزمين قانونا بتعيين مراقب حسابات عند استرجاع فوائض اداء والفصل 48 سابعا من مجلة الضريبة على دخل الاشخاص الطبيعيين والضريبة على الشركات الذي نص على ان الخسارة المتأتية من التخلي عن دين لفائدة مؤسسة تمر بصعوبات لا تقبل للطرح الا اذا كانت حسابات المؤسسة المتخلية والمؤسسة المنتفعة بالتخلي خاضعة لمراجعة مراقب حسابات والفصل 49 ثالثا من نفس المجلة الذي منح المجامع امكانية التصريح بنتيجة مجمعة شريطة ان تكون حسابات الشركات المكونة لتلك المجامع خاضعة لمراجعة مراقب حسابات والفصل 49 عاشرا من نفس المجلة الذي لم يمنح امتيازا إلا للشركات المدمجة التي صادق مراقبو حسابات على قوائمها المالية والفصل 23 من مجلة التسجيل والطابع الجبائي الذي كرس حالة من التمييز عند التسجيل. ان اغراق تونس في المديونية وما نجم عن ذلك من تبعات كارثية ناجم أساسا عن تنمية الفساد وتحصين الفاسدين والتفريط في الموارد الجبائية وغير الجبائية للدولة. فقد اكد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في دراسة معمقة ان الخسارة الناجمة عن التهرب الجبائي تفوق سنويا 33 مليار دينارا. اما الموارد غير الجبائية، فقد بقيت صندوقا اسود في اطار الاستراتيجية اللاوطنية لتبييض الفساد وتنميته المكرسة بعد انقلاب 14 جانفي 2011 على إرادة الشعب الى حد الان دون الحديث عن مئات مليارات الدينارات التي تم نهبها وتهريبها الى الخارج. ان الإصرار على الدوس على احكام اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وتحصين الفاسدين والتنكيل بالمبلغين عنهم وتكريس الفساد التشريعي والتفريط في موارد الدولة الجبائية وغير الجبائية واغراق البلد في المديونية يعد خيانة عظمى نتمنى مجيء سلطة وطنية لتحقق فيها.

مرصد الشفافية والحوكمة الرشيدة
الرئيس العربي الباجي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى