الوطنية

سلطة تحلم و شعب يئنّ

بعد مرور أكثر من سنة على 25 جويلية 2021يمكن الجزم بأنّ ما حصل ليس مسارا سياسيّا يؤسّس لتحوّل بل كانت أحداثا تترجم صراعات و تقاطعات و تناقضات داخل الأجهزة نفسها انتهت إلى الدفع باتجاه ما في انتظار بوصلة سياسيّة تحوّل تلك الأحداث إلى سياق يعيد إنتاج خارطة جديدة للنفوذ و لعلاقة الأجهزة بالسلطة.
بغضّ النظر عن الإخراج و الرسائل السياسيّة الحالمة و عن انخراط العديد من العقول و الأقلام بما فيها كاتب هذا النصّ في تحويل وهم المسار إلى مسار ودفعه للتخلّص من الاسلام السياسي و الفساد الذي ينخر جسد الدولة و تهيئة الأطر لميلاد مشهد سياسي ينهي حقبة متعفّنة تختزل الفعل السياسي في معاداة النّهضة أو إسنادها .
تمّ تجميد البرلمان و جاء الدستور الجديد و القانون الانتخابي الجديد و لا جديد في الأوضاع لأنّ السّلطة لم تمسك السلطة إلاّ في مستواها الفوقي و السّطحي بل و تصاعدت وتيرة المضاربة و الاحتكار و فتحت المساحات للمخرّبين الأوائل صنّاع عشريّة الخراب ليصنعوا خطابات أكثر رداءة و تعفّنا و لم يتراجع على هذه الأرض إلاّ المقدرة الشرائية و قيمة العملة
حكومة لا تحكم و سلطة تترك كلّ المساحات السّلطويّة لخصومها و غابت رسالتها السياسية و سياستها الاتصاليّة و باشرت عقول الديمقراطيّة المباشرة ديمقراطيّتهم و انطلقت حشود المفسّرين ” ليفسّروا لنا بتفاؤل لا أعلم من أين يأتيهم ” على حدّ تعبير محفوظ ليفسّروا كيفيّة التخلّص من التنظيمات و التنظّم و الانتظام ليسقطوا تصوّرات مضحكة مبكية و ينثروا شعارات هناك و هناك لا خيط يربط بينها إلاّ الألسنة الساذجة البسيطة التي تتفوّه بها و يعيدونها و يكرّرونها ليؤلموا شعب المقهورين و الجياع من الذين تورّطوا في حلم تغيير لا فكر يسنده و لا كوادر و لا تنظيم و لا مشروع و بصفة أدقّ عاريا من كلّ علميّة و جدّية لينتهي إلى مواقف و قرارات لم تقترب من هذا التراب الذي انتفض على تجّار الدين و الوهم و الدجل ليطارد نورا أطلّ فجأة أشعلته الأجهزة و زادته بريقا ظلمة العشريّة المقيتة ليقتادنا إلى مشهد جديد عنّا و عن كلّ شعوب سلطة تحلم و شعب يئنّ ليكون الارتداد إلى الوراء دمارا و المضيّ قدما استنزاف و البقاء على الحال محالا و لكي لا نطيل أكثر يمكن اختزال الوضع في هذه الكلمات : سلطة تحلم و شعب يأنّ و ” الأرض لا تكفّ عن الدوران ” كما يرى “الراسخون في السياسة ” .
تحت وطأة الخراب و اليأس حاولنا الدّفع قدر الامكان بأحداث 25 جويلية 2021 و تحويلها إلى مسارا للتخلّص من الاسلام السياسي و لاستعادة جدّية الفعل السياسي و فتح المجال للعقل السياسي الوطني ليرفع التحدّيات العاجلة و الآجلة و انطلقت رحلة العبث لتدخل السّلطة و البلاد في موت سريري يستشعره “الراسخون في السياسة ” و إن بدأت رائحته تجتاح كلّ الأنوف على اختلاف الخنادق و الصفوف.
إلى أين تتّجه الأوضاع ؟
ستواصل الأسعار ارتفاعها بل سترفّع من نسق ارتفاعها و سيتضخّم التضخّم و الجريمة و الاحتكار و المضاربة و ستنبعث من تلك الجثث الحزبيّة كائنات سياسية أكثر بشاعة و عدوانية من خلال التشريعية القادمة أو من خارج الاستحقاقات و سندفع جميعا و على رأسنا السلطة الحالية ضريبة “اللاواقعيّة ” و ضريبة تحييد العقول السياسيّة و ممارسة السّلطة دون احترام الأطر الموضوعيّة و موازين القوى و قواعد الصراع على المساحات و المواقع داخل الحدود و خارجها .
ما لا يجرؤ أحد على قوله أنّ حركة النّهضة اخترقت الدّولة بأجهزتها و نسيجها الاجتماعiي و الاقتصادي بشكل يجعل محاسبتها محاكمة لدولة بأكملها و لوجهة الدّولة التي تمّ تحويلها من 14 جانفي 2011 إلى اليوم و اتّضح بما لا تخطئه العين أنّ 25 جويلية هوّ إعادة توزيع للأدوار و استباق لغليان شعبي و إن كان ذلك بوجوه جديدة و خطاب مستحدث .
الأمل الوحيد لوضع هذا النسيج الذي خرّب البلاد بين فكّي كمّاشة كان بالتحام المزاج العام بسلطة سياسية قويّة و واقعيّة و جدّية و قد أهدرت فرصة هذا الالتحام و الآن اكتملت كلّ الممهّدات والمقدّمات الموضوعيّة لكي نتّجه الأوضاع إلى سينايوهات مخيفة و مرعبة في ظلّ صراعات إقليمية حادّة و صراعات دوليّة تتّجه إلى مزيدا من التشنّج و الحدّة .
فوزي النوري : كاتب و محلّل سياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى