اعتماد الحدّ من الأضرار كمنهج إنساني في السياسات العامة
على الرغم من أنّه كان على مدى عقود من الزمن أصل العديد من السياسات العامة لمكافحة المخدرات أو الأمراض مثل الإيدز إلاّ أنّ مفهوم الحدّ من الأضرار لا يزال غير معروف نسبيًا لعامة الناس ويُعدّ جديرا بالفحص العميق لأنه يوفر سبيلا آخر للسلطات الصحية ومسارا أكثر إنسانية وواقعية وشمولاً.
وفقًا للمنظمة الدولية للحد من الأضرار (Harm Reduction International) ، يمثّل الحدّ من الضرر السياسات والبرامج والممارسات التي تهدف إلى تقليل الآثار الصحية والاجتماعية والقانونية السلبية المرتبطة بتعاطي المخدرات وسياسات وقوانين المخدرات.
وتؤكد المنظمة أن الحدّ من الضرر يستند إلى العدالة وحقوق الإنسان. ويركّز على التغيير الإيجابي والعمل مع الأفراد “بدون حكم أو إكراه أو تمييز أو مطالبتهم بالتوقف عن تعاطي المخدرات كشرط أساسي للدعم”، وهي نقطة أساسية في هذه الفلسفة التي لا تدفع إلى المنع كوسيلة وحيدة للتوقف عن الإدمان حيث تستند سياسات وممارسات الحدّ من الضرر إلى مجموعة قوية من الأدلة التي تظهر أن التدخلات عمليّة وممكنة وآمنة وفعالة من حيث التكلفة في مختلف السياقات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية. كما تنص على أن الهدف من تبني مفهوم الحدّ من الضرر في السياسة العامة هو “إبقاء الأفراد على قيد الحياة وتشجيع التغيير الإيجابي في حياتهم”.
بالنسبة لمارتين لاكوست، المديرة العامة لجمعية Clémence-Isaure ونائب رئيس اتحاد الإدمان، فإن التقدم الذي تم إحرازه على مدار العشرين سنة الماضية من خلال الحدّ من المخاطر ناتج عن التخلّي المزدوج: الامتناع عن التعاطي باعتباره النموذج الوحيد للرعاية والوقاية واعتماد القضاء على المخدرات كشرط “للعيش المشترك” معتبرة “أنّ الحدّ من المخاطر كفلسفة للعمل يعزز رؤية براغماتية وإنسانية في السياسات العامة المعتمدة”.
سياسة الحدّ من المخاطر في التدخين
تجمع السيجارة القابلة للاحتراق بين نوعين من الأذى، الأوّل هو الأذى المرتبط بسُميّة المواد الناتجة عن احتراق السيجارة والثاني الإدمان الناجم عن النيكوتين. ومع ذلك، فإن المجتمع العلمي أجمع على نقطة واحدة: النيكوتين ليس سبب المرض، بل إن العناصر الكيميائية الأخرى التي تدخل في عملية الاحتراق هي المسؤولة عن ذلك. وعليه، فقد كان من المقبول منذ فترة طويلة أن الخيار الوحيد المتاح لمدمن السجائر هو الإقلاع عن التدخين تمامًا. أمّا بالنسبة إلى Grégory Pfau وAlain Morel، فإن “هذه السياسة لها تأثير في جعل عدد كبير من الأشخاص الذين يعتمدون بشدة على التبغ يشعرون بالذنب ويبقون دون حل، ويدركون المخاطر ولكنهم غير قادرين على التوقف تمامًا” حتى لو فرضت حالتهم الصحية عليهم ذلك في بعض الأحيان. إنّ الحدّ من المخاطر في مواجهة التبغ يستدعي البحث في أقرب وقت ممكن عن “بديل للتدخين، وبالتالي فإن الطريقة الأكثر فعالية لتقليل المخاطر. من المحتمل أن يكون النيكوتين مسؤولاً، إلى جانب المكونات الأخرى، عن إدمان للتبغ. ولذلك فإن استخدام بدائل النيكوتين يجعل من الممكن الحد من آثار الإقلاع مع تقديم طرق أخرى أقل سُميّة. ولذلك فإن الحد من المخاطر المرتبطة باستهلاك التبغ يعني الإقلاع عن تعاطي التبغ أو استخدام التبغ الذي لا يحترق إذا لم يكن الإقلاع ممكنا أو ببساطة اعتماد النيكوتين بطرق أخرى”.
وأشار طارق صفوت، أستاذ أمراض الرئة بجامعة القاهرة، خلال مؤتمر عُقد حول هذا الموضوع سنة 2020، إلى أنه إذا كان التبغ “إدمانًا”، فإن دراسات مثل تلك التي أجرتها إدارة الغذاء والدواء الأمريكية في الولايات المتحدة، أوضحت أن منتجات التبغ المسخن “تقلل المواد المسرطنة بنسبة تصل إلى 90٪”، مقدرةً أن استخدامها “من شأنه أن يؤدي إلى الحدّ من الأمراض طويلة الأمد”.
وأشار إلى أن الدلائل تشير إلى أن مدخني السجائر الذين يتحولون تمامًا إلى التبغ المسخن سيقللون من التعرض للسموم، الأمر الذي سيؤدي على الأرجح إلى تقليل مخاطر الإصابة بالأمراض المرتبطة بالتبغ، مما يجعل التبغ المسخن بديلاً “مخفضًا” لاحتراق التبغ.
لا يزال مفهوم الحدّ من المخاطر غير منتشر في تونس. ومع ذلك، فإنّ هناك العديد من الباحثين والعلماء الذين يدعمون هذا النهج ويؤكدون أن بدائل السجائر القابلة للاحتراق يمكن أن تكون وسيلة للإقلاع وتقليل مخاطر التدخين.