الوطنية

الإعلام في عيده بين مطرقة التشريع وسندان التركيع

بحضور قامات هامّة في القطاع الإعلامي، تركت بصمتها في مجال مهنة المتاعب ، ونعني بهذه القامات السادة فتحي الهويدي و عبد الحفيظ الهرقام و ماهر عبد الرحمان و بحضور هام من المثقفين و الإعلاميين و المتابعين للشأن العام، نظّم كلّ من المقهى الثقافي بنزل مرفه بنزرت و منتدى مقاصد و تنسيقية الصحفيين بولاية بنزرت يوم الخميس 28 افريل 2022 احتفالية، بمناسبة اليوم العالمي لحرّية الصحافة، تراوحت مضامينها بين المداخلات حول موضوع الإعلام و الموسيقى الذي أمّنها نادي مشارف بقيادة المايسترو عازف النّاي الأسعد العمري و بإدارة السيدة سميرة كشك و الحوار و السمر..
كلمة افتتاحية لرئيس منتدى مقاصد
في مفتتح هاته السهرة الرمضانية الجميلة و لوضع هذا اللقاء الحواري في إطاره قال السيد رئيس منتدى مقاصد رشيد البكاي ” نعلم جيّدا و أن اعلامنا التونسي بمختلف محامله يمرّ بأزمة مستفحلة و بمرحلة مفصلية فارقة…لذلك بات من الضروري، بعد التحولات التي شهدتها البلاد، أن يحظى هذا القطاع من أهل الذكر خاصة و المنتمين إليه و من العاملين فيه بما يلزم من الاهتمام وفق تصورات جديدة مستحدثة و تجارب مقارنة و حلول علمية و قانونية و حضارية تمنع عنه أفكار الاحتواء و التركيع و التوظيف مهما كان مصدرها ماليا أو سياسيا أو أيديولوجية، داخليا أو خارجيا حتّى يقوم بدوره كاملا غير منقوص و يسهم بفاعلية في بناء تونس الديمقراطية ”
أزمة الإعلام في تونس بين التشريع و التركيع
تحت هذا العنوان قدّم الديبلوماسي الأسبق السيد عبد الحفيظ الهرقام مداخلة ثرية و هامّة جاء فيها بالخصوص ” يعتبر عدد كبير من الفاعلين في قطاع الإعلام و الاتصال في تونس و أنّ هذا القطاع يمرّ بأزمة عميقة و شاملة، و هي أزمة تفرغت عنها أزمات قطاعية، أزمة في القطاع السمعي و البصري بشقية العمومي و الخاص و أزمة في الصحافة المكتوبة و أزمة في الإعلام الالكتروني الذي تسوده الفوضى في غياب تشريع ينظمه و أزمة أيضا في مستوى الممارسة الإعلامية بسبب عدم التزام البعض بأخلاقيات المهنة و الفهم الخاطئ لحرية التعبير. و هذه الأزمة الهيكلية زادها حدّة و تعقيدا الوضع السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي المضطرب التي تعيشه البلاد فضلا عن مخلفات كورونا و العوامل الخارجية التي لها صلة بالمتغيرات العميقة و المتسارعة التي تطبع الساحة الاتصالية العالمية و التي تؤثر حتما في واقع الإعلام لكل البلدان بدون استثناء…ليمرّ إلى وضع الصحافة الورقية و يقول ” أنّ الثورة الرقمية ألقت بظلالها على قطاع الصحافة الورقية الذي يشهد في عديد البلدان صعوبات كبيرة للتأقلم مع تأثيرات الثورة التقنية الرقمية التي طالت النموذج الاقتصادي للصحف و عادات القراء و استهلاك المعلومة و نتيجة لذلك تراجعت عائدات الاشهار ة انخفض حجم السحب ….ليمرّ إلى محاولات تركيع الاعلام و غياب إرادة الإصلاح بالقول ” لم يعد خافيا على أحد أنّ جهات سياسية و لوبيات المال الفاسد سعت و تسعى الآن إلى وضع يدها على المؤسسات الإعلامية و لا سيّما العمومية منها و ذلك بانتهاج أساليب الترغيب و الترهيب” مضيفا و ” أنّه لم يعد خافيا أيضا غياب الإرادة السياسية في تونس في اصلاح أوضاع الاعلام و معالجة أزمته ” معرجا في مداخلته على القطاع السمعي البصري الخاص بالقول ” هذا القطاع يواجه اليوم صعوبات مالية نتيجة ضيق السوق الاشهارية و ارتفاع حجم المديونية و تواضع حجم الدعم. ليخلص إلى القول في خاتمة مداخلته ” بأن هناك شعور متنام بأنّ الاعلام التونسي قطاع يتيم لا راعي له منذ أن تخلت عنه الدولة منذ 14 جانفي و جعلته يتخبط في مشاكل عويصة جون بلورة سياسات عمومي لإنقاذه و وضعه على سكة الإصلاح. و هذا الإصلاح موكول للدولة عبر توفير الدعم المادي و الاطار التشريعي الضروريين و على المهنيين و الهياكل الممثلة لهم الاستبسال في الذود عن شرف المهنة و الدفاع عن حرية التعبير و التصدي لكل محاولات تركيع الاعلام و تدجينه ”
مؤسسة الإذاعة و التلفزة إلى أين ..؟
المداخلة الثانية كانت للسيد ماهر عبد الرحمان – و هو الخبير الدولي في المجال الإعلامي البصري و السمعي – و التي تناول فيها بالخصوص وضعية الإعلام العمومي حاليا و تحديدا مؤسستي الإذاعة و التلفزة التونسية مبديا منذ البداية عدم تقبله لقرار تقسيم هاتين المؤسستين موضحا أنّه لا يوحد في العالم بأسره من انتهج هذا التقسيم إلاّ تونس و ذلك محاكاة لفرنسا التي ارتأت هذا التقسيم في السنوات الثمانين. ليضيف المحاضر و أنّ ” البلاد التونسية دخلت منذ العشرية الأخيرة في ” وضعية الديمقراطية ” و بالتالي لابدّ من اعلام عمومي – و الذي لا تعني بالضرورة الإعلام الحكومي – و ما نعينه بالإعلام العمومي هو الابتعاد عن كلّ ما هو تلون السياسي و تأثيرات لوبيات المال و النفوذ في الخطّ التحريري لهذا الاعلام العمومي. و دعا المحاضر إلى فصل مجلس الإدارة عن إدارة مؤسسات الإذاعة و التلفزة لأنّه لا يعقل أن يكون المدير العام هو رئيس مجلس الإدارة لهذه المؤسسات بل وصف دور مجلس الإدارة بالمهزلة – في مثل هذه الظروف – مبيّنا في نفس السياق و أنّ دور مجلس الإدارة بالأساس هو للتخطيط و المراقبة. و عليه ،لابدّ – و الحديث دائما للمحاضر – أن يكون مجلس الإدارة بمؤسسة الإذاعة و التلفزة متكونا من عديد الاختصاصات على غرار عالم الاجتماع و الصحفي و الطبيب و رجل الاقتصاد و رجل الثقافة من أجل أن إرساء اعلام عمومي حقيقي يهدف إلى ارساء الهويّة الوطنية عبر برامجه و هو أهم دور للإعلام العمومي حسب رأيه باعتبار و أنّ الإعلام هو ملك الشعب و بالتالي لابدّ من رفع اليد على هذا القطاع، معتمدا في طرحه على أنّ نسبة تمويل الإعلام العمومي متأتي بنسبة 52 بالمئة من مساهمة العموم وذلك عبر اقتطاع فواتير ” ستاغ ” مطالبا في الأخير بإصلاح الإعلام العمومي على أساس اعداد كراسات شروط و ضبط أهداف و إجراءات محدّدة لأنّه يرى و أنّ البيروقراطية هي العدو الكبير للإعلام السمعي و البصري و أنّ العمل الإبداعي يتعارض تماما مع هذه الهيمنة البيروقراطية.
تونس تعيش نوعا من المخاض العسير
يرى السيد فتحي الهويدي، و هو الوزير الأسبق لإعلام، في مداخلته المقتضبة و المقنعة و أنّ البلاد التونسية تعيش منذ عقد من الزمن نوعا من المخاض العسير و لكن للأسف جميعنا بقي في موقع المتفرج، موضحا في نفس السياق و أنّ تداعيات الثورة الرقمية كانت مختلفة الوجوه، اجتماعية و سياسية و اقتصادية و رقمية و تربوية، متسائلا كيف يمكن أن نهيئ و ننحت المواطن المستقبلي لمجابهة هذه الثورة الإعلامية و الرقمية. موضحا و أنّه للأسف لم نهيئ مضامين تنبع من شخصيتنا و من هويتنا و ذلك مقارنة مع بعض البلدان مستدلا بتركيا كمثال و التي غزت العالم بإنتاج المسلسلات مستغلة في ذلك هذه الثورة الرقمية، موضحا بأنّ العولمة الرقمية هي معركة وجود و من لا يركب قطار هذه الثورة الرقمية سيفوته الكثير. و يرى المحاضر و أن ” الهايكا ” حادت عن دورها الأساسي التعديلي و أصبحت تقوم بدور الجندرمي و متسائلا لماذا لا يتم إعادة احداث وزارة للإعلام على غرار كلّ بلدان العالم و لا حلّ لنا، يضيف المحاضر، إلاّ باجتياح العالم بأفكارنا و منتجاتنا الإعلامية و الدرامية …
تساؤلات الحضور و ردود المحاضرين
تمحورت أسئلة المتدخلين بعد انتهاء هذه المحاضرات القيمة حول عدّة نقاط منها كيف نحدّ من الفوضى الإعلامية التي تمرّ بها البلاد التونسية والحلول الواقعية للحدّ من هذه الفوضى فضلا عن التكالب على تركيع الإعلام عموما وكيف يمكن التوفيق بين حرّية الصحافة المفهومة خطأ على أنها حرّية مطلقة ومحاولات تركيع الصحافة سواء من قبل السلط أو لوبيات المال و السياسة. كذلك النّظر في إمكانية مزج الإعلام الافتراضي بالإعلام الرسمي لإضفاء المزيد من التناسق والتنظيم حول نشر المعلومة. وكيف نحافظ على السيادة الرقمية حتّى لا تتحوّل هذه المنصات إلى استعمارات رقمية؟
و أتت الردود تماما مثل دسامة المحاضرات حيث بنيّت و أنه لابد من سدّ الفراغ التشريعي في المجال السمعي و البصري و الإشهار و الإعلام الالكتروني عبر تحديد المسؤوليات. و أيضا لابدّ من إعادة النظر في النموذج الاقتصادي و الإعلامي الذي فرضته ثورة 2014 فضلا عن دعم إذاعات القرب التي أثبتت جدواها باعتبارها تعبّر عن مشاغل المواطن الحقيقية مبيّنة هذه الردود و أن الاعلام العمومي يرتكز على ثلاثة شروط هامّة و هي تغطية كامل تراب الجمهورية أوّلا و التوجه إلى كافة المواطنين ثانيا و بدون استثناء و أخيرا استقلالية الخطّ التحريري للإعلام العمومي تجاه السلط.
تكريــــــــــــــــم
لتختم هذه التظاهرة، بالاحتفاء باليوم العالمي لحرية الصحافة، بتكريم أحد أبناء بنزرت و هو الصحفي و الباحث في علوم الاتصال و المستشار الاعلامي السابق لدى السلط التونسية، الأستاذ حمادي بن حماد الذي تخرّج من كلّية الحقوق و معهد الصحافة و علوم الأخبار سنة 1969 ثمّ من المرحلة العليا بالمدرسة الوطنية للإدارة سنة 1972 . هذا فضلا عن نشاطه الصحفي الكبير في عديد من الصحف و الدوريات . و للمحتفى به العديد من الإصدارات و البحوث و المؤلفات نذكر منها ” بنزرت عبر العصور ” و ” معركة المستقبل ” و ” معركة التجنس ” و ” أم كلثوم ” و رجالات من زمن الكفاح ” كما تمّ انتخابه عضوا بمجلس النواب سنة 1981.
مواكبة الأمين الشابي
عدسة فؤاد بن شعبان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى