في العرض الأول لمسرحية “مجاريح” :جمالية في الطرح والإخراج وألف سؤال حول مصير ملف جرحي الثورة
تعتبر نصوص الكاتب الراحل ابراهيم بن عمر من النصوص التي شكلت منعرجا كبيرا في الأعمال المسرحية في العشرية الأخيرة وكانت ملهمة لعدد كبير من الفرق المسرحية خاصة في الجنوب التونسي
لتفرد اسلوبه في الكتابة ذات المنحى الوجودي والطرح غير المسبوق في التراث العربي إضافة إلى الأسلوب الساخر المتميز في جل مسرحياته وعلى سبيل الذكر لا الحصر حس القطا وجوانح المحبة وطواسين وزنازين النور .
ومسرحية ” مجاريح ” الذي كتب نصها قبيل رحيله وأودعه آمانة لدى رفيق المخرج حافظ خليفة لم تشذ عن القاعدة واكتشفنا من خلال العرض الأول الذي قدم قبل يومين أمام لجنة المشاهدة من انتاج لمركز الفنون الدرامية والركحية بقابس
والمسرحية من نوع الكوميديا السوداء و به طرح جدي للمسرح السياسي بتسليطه الضوء على حال مال ما الت اليه أمور البلاد من حال بيروقراطي و من وعود زائفة للتعويض و المساعدة و التنمية الجهوية, وطرق معاملتهم من طرف المسؤولين ويشاكس هذا الملف الحارق باعتباره من اهم الملفات للمشاكل المطروحة في زمننا الحاضر ويلامس هموم الشارع التونسي و العربي و المجال السياسي .
وقد حاول الكاتب ومن خلاله المخرج في هذا العمل تقديم صورة للواقع المعاش دون السقوط في واقعيته النمطية المبتذلة, من خلال ضياع ملف التنمية الجهوية ووعود السلطة لشعب يعيش ويلات التهميش لسنوات طوال في ظل عدم ايفاء الدولة بوعودها,من خلال شخصية ” حاتم” هذا الشاب الذي جرح اثناء احدى المظاهرات حيث كان موجودا بالصدفة مع إحدى المجموعات الشبابية لجمع علب السجائر امام الولاية و امام احد مقرّات القباضات..مغتنما فرصة الفوضى التي تعيشها البلاد..بسبب الحاجة يقدم على محاولة نهب المقرّ..فصادف أن ان هاجمتهم مجموعة من رجال الامن..وعند هروبه عالجه احد القنّاصة برصاصة اصابت مؤخّرتهفيسجل ضمن مجاريح الثورة ثم يجد .. نفسه يطرق ابواب الادارات و المسؤولين ليأخذ حقه ومن هنا تنطلق المعاناة الساخرة بين الاروقة وجمعيات حقوق الانسان والراكبين على الاحداث والمتشدقين باسم الثورة
قدم المخرج حافظ خليفة رؤية اخراجية متناغمة مع قيمة الطرح الاجتماعي والواقع السياسي المترذل معتمدا سينوغرافيا مشهدية متحركة تزواج بين تقنية المشي على العصي وبين خيال الظل وتقاطع الانارة حسب الفضاءات التي تدور فيها للأحداث سواء في المكتب أوأروقته أو في المحكمة وما زاد في جمالية المشاهد وصدقها بناء الشخصيات وتواصلها والأداء المميز الممثلين المحترفين الذي اعتمودا تارة طريقة الكوميديا دي لارتي وتارة الواقعية وتارة أخرى الشخصيات المركبة .
اخيرا استطاع المخرج حافظ خليفة أن يوصل صوت الكاتب الراحل ابراهيم بن عمر وان يبلغ وصيته للعموم بان مجاريح الثورة هم نتاج لدولة فقدت فقدت شرعيتها وتواصلت معاناتهم مع دولة فقدت هيبتها فإلى متى يستمر هذا النزيف وهذا التهميش وهذا التفقير والتحقير فهل من مجيب ؟
هذا العمل من انتاج مركز الفنون الدرامية والركحية بقابس ادارة الفنان صالح الجدي وتمثيل جليلة بن يحي وعبد الباسط بالشاوش وحسان مرّي وفتحي الذهيبي ونادية تليش ومنذر العابد وادم الجبالي والتقني المختص في الانارة رمزي النبيلي وتقني صوت اسماعيل الحفصي وفي التوضيب العام شرف الدين حمدي ومنسق الانتاج محسن رحومة وتصميم الملابس مفيدة المرواني والموسيقى لرضا بن منصور وادارة الانتاج الفنان مدير المركز صالح الجدي