الحدث التاريخي: ساعات قليلة تفصل تونس عن إرسال أوّل قمر صناعي للفضاء
ساعات قليلة ما تزال تفصل تونس على حدث مهم في تاريخها، موعد اطلاق القمر الصناعي ” تحدّي واحد Challenge One” لتدخل بذلك نادي البلدان التي أرسلت أقمارا صناعية للفضاء، ولتصبح في موعد يتزامن مع الذكرى الخامسة والستين لاستقلالها، أول بلد عربي وإفريقي يطلق قمرا صناعيا.
وقد بدأ العد العكسي لإطلاق هذا القمر الصناعي إذ تابع أمس الاربعاء، وفد من تلنات عملية تركيز المركبة الفضائية سوايز2 Soyouz2 التي ستقوم بنقل القمر الصناعي التونسي “تحدي واحد” الى مداره حول الأرض على منصة الاطلاق بالقاعدة الفضائية “بايكانور” بكزاخستان.
وأفاد مديرعام مجمع “تلنات” المختصة في التكنولوجيا والبرمجيات والأنشطة الهندسية، صاحبة المشروع محمد فريخة، في حوار أجرته معه وكالة تونس افريقيا للأنباء، أن هذا القمر الصناعي التونسي مائة بالمائة تم انجازه بخبرات وكفاءات محلية لنحو عشرين مهندسا تونسيا يعملمون بالمؤسسة، وقد تلقوا تكوينهم في مدارس المهندسين بتونس، في اختصاصات البرمجيات والالكترونيك والميكانيك، وبدعم من بعض الخبرات التونسية المتواجدة في وكالات فضاء دولية على غرار المهندس محمد عبيد من وكالة الفضاء الأمريكية ” ناسا”.
صاحب المشروع أكد أن اختيار موعد العشرين من مارس 2021، كان محض صدفة، ولكنها صدفة جميلة ومليئة بالدلالات بحكم تزامنها مع عيد استقلال تونس، موضحا بأنه تم تأجيل موعد إطلاق القمر في مناسبتين من جويلية 2020 إلى شهر نوفمبر من نفس السنة، ثم إلى هذا الموعد، مقدرا أن هذا الحدث الهام يبعث الأمل في نفوس الشباب التونسي، ويدفعهم إلى اليقين بأن الطموح لا حد له، وأن الأمل قائم، وان المستقبل يكمن في الاستثمار في الشباب وفي التكنولوجيا مما سيجعل لتونس مكانة بين كوكبة الدول المصنعة لتكنولوجيا الفضاء.
ويتميز هذا القمر الصناعي المختص في انترنات الأشياء Internet Of Things، وهي تقنية، حسب قول فريخة، ستشكل مستقبل الأنترنات في العالم الذي بما أنها تسهل التواصل بين التجهيزات والمعدات، وهو ما يتطلب جيلا جديد من الانترنات ونوعية جديدة من الأقمار الصناعية.
وقد تم الاعتماد في تصنيع القمر على تطوير بروتوكول ” لورا LoRa” الذي يتم استخدامه في الاتصالات الأرضية في سياق المدن الذكية والمراقبة الصناعية والزراعة الذكية، ويسمح بالاتصال اللاسلكي بسرعة منخفضة للأجهزة المرتبطة بالإنترنت وذات الاستهلاك المنخفض للطاقة، لاستخدامه لأول مرة في العالم في الاتصالات عبر الفضاء وهو ما يعتبر قيمة إضافية لانجاز “تلنات” كشركة مجددة في مجال التكنولوجيا.
وسيمكن القمر الصناعي التونسي من تبادل المعطيات بين الأشياء في عديد المجالات من بينها النقل والفلاحة واللوجستيك وذلك من خلال استقباله المعطيات وارسالها للمزودين في مختلف دول الكرة الأرضية، وهي من بين أهم الخدمات التي سيزداد الاقبال عليها لايجاد التراسل بين نحو 4 مليار مادة.
ويعول على هذا القمر الصناعي، حسب فريخة، أن يكون فاتحة لعمل الشركة على ارسال كوكبة أخرى من الأقمار الصناعية المماثلة له، وقد بلغت المشاورات مع بعض الشركاء لارسال أقمار صناعية شوطا متقدما. كما سيتم، حسب تأكيده، العمل على تسويق التكنولوجيا الجديدة التي تم تطويرها من خلال انتاج القمر الصناعي، وتطوير الشراكة مع وكالة الفضاء الروسية حتى تصبح تونس قطبا في مجال مساعدة الدول الافريقية على تصنيع أقمارها الصناعية، وستحاول من خلال ذلك تصدير تجربتها في صناعة وتطوير الأقمار الصناعية، ومساعدتها في التكوين لتكون همزة وصل بين عالم الفضاء والدول الافريقية.
وقد انطلقت فكرة مشروع اطلاق القمر الصناعي، حسب مديرعام المجمع ، سنة 2016، عندما أطلق مجمع أريان الأوروبي ARIANE ( Aibus Safran Lanchers) مشروع ” الولوج السريع للفضاء” Quick Access to Sapce لمساعدة بعض دول العالم على دخول عالم تكنولووجيا الفضاء بمعدل دولة عن كل قارة، وشركة عن كل دولة يتم اختيارها، ليقع الاختيار في هذا السياق على تونس ومن خلالها على “تلنات ” التي ذاع صيتها حسب قوله، في مجال تطوير التكنولوجيا، واكتسبت ثقة حرفائها وطورت علاقات كبيرة في المجال، وقد ابرم المجمع بمناسبة مؤتمر تونس للاستثمار سنة 2017، اتفاقية في الغرض.
وعلى الرغم من تراجع مجمع اريان عن المشروع وتأخيره لفائدة أولويات أخرى أهمها مشروع ” أريان 6″، قرر، فريق العمل المتكون من نحو 20 مهندسا من ” تلنات ” مواصلة خوض التجربة التي استوجبت بين ستة أشهر إلى سنة من الدراسات و قرابة السنتين من تطوير مختلف مكونات القمر الصناعي، ليتوصل الفريق، وبدعم من خبرات تونسية بالخارج، نهاية سنة 2018 ، لانجاز مثال مصغر منه، ليتم على اثر ذلك التواصل مع وكالة الفضاء الروسية ” روس كوسموس” بشأن قبول إطلاقه، وقد تم امضاء عقد في الغرض بتاريخ 1 أفريل 2018.
وأكد فريخة أن القمر الصناعي خضع إلى دراسات ميكانيكية والكترونية وفي البرمجيات، وإلى عديد الاختبارات كان آخرها يوم 13 فيفري 2021 عندما تم تسليمه إلى وكالة الفضاء الروسية التي وضعته على الفرقاطة التي سيقع تنزيلها في المركبة الفضائية التي سيخرج منها القمر الصناعي يوم 20 مارس الجاري.
وبشأن تكاليف المشروع، أفاد فريخة أن الكلفة على الصعيد العالمي تقدر بنحو 5 مليون دينار، غير أن مجمعه تمكن من الضغط عليها، مشيرا إلى أن المشروع لم ينته بعد وهناك عملية تقييم مالي لكل مرحلة ( مرحلة ما قبل الاطلاق ومرحلة الاطلاق وما بعد الاطلاق).
وعن الافاق التي سيفتحها هذا المشروع، تحدث فريخة عن مفاوضات يجريها المجمع مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لتمكين الجامعات ومراكز البحث التونسية من امكانية الاطلاع على تفاصيل هذا المشروع، ومشاركتهم تطوراته، وتكوين خبرات تونسية في هذا المجال من أجل المرور إلى مشاريع أكبر وهي إطلاق كوكبة من الأقمار الصناعية ستكون بها تونس همزة وصل بين العالم العربي وافريقيا في مجال الصناعات الفضائية.
وتابع قائلا ” نحاول أن نكون متواجدين على المستوى الافريقي والعربي، وهدفنا أن نجعل من تونس قطبا تكنولوجيا في الفضاء الافريقي والعالم العربي، وهو ما يستوجب وضع منظومة متكاملة، وسنعمل على إرسال رائد فضاء تونسي، ولما لا تكون امرأة تونسية “، وفق قوله، مؤكدا أنه سيطرح في لقاءاته مع المسؤولين في وكالة الفضاء الروسية ومع المسؤولين الروس تطوير الشراكة التونسية الروسية في مجال الفضاء، وخاصة من خلال احداث مدرسة لتكوين الاطارات في الفضاء على غرار الشراكة بين الجانبين التي أثمرت إحداث المدرسة الوطنية للمهندسين منذ 50 سنة.
صاحب مجمع “تلنات” أكد أيضا على ضرورة تفكير السلطات التونسية في بعث وكالة فضاء تونسية والدخول في شركات أخرى في هذا المجال، مؤكدا على أهمية مصادقة تونس على اتفاقية الأمم المتحدة لسنة 1974 حول الأقمار الصناعية، على غرارعدد من الدول العربية الاخرى مثل ليبيا والجزائر والمغرب وقطر والكويت والمملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة، ما سيمكن من تسجيل القمر الصناعي ” تحدي واحد” على سجل تونسي.
وقال إنه لم يتوقع هذا النجاح، لكن الايمان بقدرات الفريق والتقدم الذي كان يحققه المشروع كان محفزا على المواصلة خاصة بعد نجاح استعمال بروتوكول لورا ” LoRa” في الفضاء في تجربة هي الاولى عالميا، معتبرا أن فريق ” تلنات ” مفخرة لتونس.وتأسست شركة تلنات للتكنولوجيا والهندسة والبرمجيات سنة 1994 ببادرة من سبعة مهندسين تونسيين لتصبح في غضون نحو 25 سنة من أكبر الشركات المختصة في الهندسة والتكنولوجيا في افريقيا ب 1000 مهندس تونسي، وقد طورت أنظمة الكترونية لعدة شركات عالمية في مجالات الهواتف والسيارات والطائرات .