أي أوليات اقتصادية لحكومة الفخفاخ؟
بدى الرجل واثقا أمام أنضار أعضاء حكومته وأكثر من 180 نائبا جمعتهم قاعة البرلمان التونسي صباح اليوم الاربعاء 26 فيفري 2020، الكل هناك كان بانتظار تصور واضحا لما تعانيه البلاد من أزمة اقتصادية وإجتماعية خانقة.
كتبت : خولة شبح
طيلة أكثر من ساعة تحدث الياس الفخفاخ على برنامج حكومته المنتظر. وبدت النقاط المتعلقة بما هو اقتصادي واجتماعي الأهم. وبدى تفكيك منظمة الفساد أولى أولويات الحكومة القادمة. حيث لم يغفل رجل الـ 48 سنة على ما يبدو على الترتيب المتأخر لتونس في مدركات الفساد التي تنشرها منظمة الشفافية الدولية ووجودها في المرتبة 73 من أصل 180 دولة.
تفكيك منظومة الفساد
لم نجد في كلمة الفخفاخ اليوم أي أثر لضرورة تركيز الأوامر التطبيقية المتعلقة بمكافحة الفساد والتعامل مع ملف استرجاع الأموال المنهوبة والأملاك المصادرة، رغم ما تحدث عنه الرجل من رد واضح وسريع وقوي على منظومة الفساد. ولم يخفي الفخفاخ إرادة حكومته السياسية لمقاومة الفساد ولكن غابت عنه بعض الآليات.
أولى خطوات اثبات النوايا في مسار مكافحة الفساد التي تنخر الاقتصاد التونسي في حكومة الفخفاخ ، هي تفعيل آليات المحاسبة من قضاء ودعم للهيئات الدستورية المختصة بالملعله أولوية السياسة الجزائية للدولة ومنحه بذلك النيابة العمومية كل الصلاحيات التي تمكنها من ملاحقة الفاسدين ودعم القضاء في مسار التصديف. ورغم شبهات الفساد التي تحوم حول بعض أعضاء حكومته لم يتردد الفخفاخ في اعلان حربه على الفساد عبر التلويح بالتصدي لمظاهر العبث بالمال العام في المطلق
وغاب التحديد في ما يتعلق بمكافحة الفساد في الإدارة التونسي وتشير آخر الدراسات التي نشرت في ديسمبر 2019 في مجال مكافحة الرشوة من قبل منظمة الشفافية العاملية أن 18 بالمائة من متلقي خدمات المصالح الحكومية في تونس دفعو رشوة خلال سنة كاملة.
واستندت المنظمة في تقريرها، إلى استطلاع للرأي استهدف أكثر من 6 ألاف مواطن تم استجوابهم حول الفساد وتجاربهم المباشرة مع الرشوة في 6 دول عربية من بينها تونس، وأكد أن 67 بالمائة من المستجوبين التونسيين يون أن الفساد تفاقم خلال 12 شهرا الماضية. وأشار التقرير إلى أن 64 بالمائة من التونسيين الذين تم استجوابهم، في الاستطلاع، يقرّون أن أداء الحكومة في مجال مكافحة الفساد ضعيف.
وبات من الضروري اليوم أن تتوقف عمليات الافلات من العقاب داخل الادارات العمومية في جرائم الرشوة الفساد إضافة الي ما تحدث عنه الفخفاخ صبيحة اليوم من هيكلة الادارة واصلاحها ورقمنتها. وكما تقول القاعدة أن “اصلاح النفس هي بداية الإصلاح الحقيقي” حتى تكون فعلا “حكومة الوضوح وإعادة الثقة”.
وبعيدا عن الإدارة فقد كان للفخفاخ اليوم طرح يتعلق بمناهضة التهريب وخاصة تهريب المواد المدعمة والتصدي للاحتكار، ورغم غياب رؤية دقيقة لآليات الرقابة على مسالك التوزيع فإن التصدي لها بات ضرورة للحد من تدهور المقدرة الشرائية للمواطن التونسي والتفقير الممنهج له.
الأزمة الاقتصادية
الأزمة الاقتصادية ، تخفي خلفها غابة كبيرة من المشاكل وخاصة فيما يتعلق بتقليص عجز الموازنة العامة والذي بلغ في 2019 قرابة 3.9 بالمائة. وأثارت موازنة 2020 البالغة نحو 47 مليار مخاوف الاستناد الي حلول ترقيعية من قبل حكومة الفخفاخ في مسار تقليص العجز التجاري.
وكل ما ذكره الفخفاخ من اجراءات طيلة ساعة كاملة كان عام وغير دقيق يفتقر الي الأرقام والتواريخ والالتزام بخطة واضحة. وقد حدد الفخفاخ النقاط التي سيعتمد عليها برنامجه الحكومي لتعبئة الموارد المالية لميزانية 2020 سواء في الأسواق الداخلية أو الخارجية أو من المؤسسات الدولية المالية.
وأهم خطوات تعبئة الموارد المالية هو تقليص نسبة الدين الخارجي المتفاقم في الموازنات المتعاقبة والذي بلغ 70 بالمائة من النتاج المحلي الخام. فقد بات واضحا خطر الغرق في نفق التداين. وحسب الفخفاخ فقد بات من الضروري الايقاف التدريجي للتداين الخارجي المتوجه للاستهلاك وتوجيه التداين في اتجاه الاستثمار.
ويبدو أن خيار الفخفاخ المستقبلي سيكون السوق الافريقية، حيث أكد أن تونس يجب أن تكون بوابة لهذا السوق معتبرا أن إفريقيا جنوب الصحراء هي سوق القرن 21. و يتطلب الانفتاح على هذا السوق تطوير العلاقة معها اقتصاديا ودوليا وخلق مجالات للتواصل سواء عبر ربط الخطوط الجوية والاتصالات والخطوط المالية أو عبر ايجاد فرص تصدير المنتوجات والخدمات لها.
وقد تكون خطوة التوجه الي السوق الافريقية أحد الحلول المطروحة للخروج من أزمة التداين التي تعيشها تونس، ولكن بات من الواضح أن البلاد محتاجة للاعتماد على ما يتوفر فيها من طاقات بشرية وطبيعية ومالية لدعم الاقتصاد الوطني.
ويرى الفخفاخ أن تونس لديها من الطاقات البشرية والعلمية والثروات الطبيعية ما يمكن أن يمثل محركا اقتصاديا للدولة. ويطرح رئيس الحكومة المكلف ضمن برنامجه الحكومي ضرورة انجاز التحول الرقمي خلافا للصناعات الكلاسيكية ،معتبرا أن المجال الرقمي مفتوح للاستثمار كأولوية. كما تتوجه حكومة الفخفاخ المستقبلية الي الاستثمار في المجال الطاقي والفلاحي. وقد اعتبر الرجل أن “المنظومة الفلاحية ذات بعد استراتيجي” واعدا بتوخي سياسة فلاحية شاملة لاستغلال الثروات الطبيعية.
ولا يبدو لفخفاخ رؤية واضحة لهذه الاستراتيجية ولا نجد في برنامجه اي ذكر للأزمة التي عاشتها تونس مؤخرا في وفرة الانتاج الفلاحي وحالة الاتحقان في صفوف الفلاحيين في غياب اي دور فاعل للحكومة في حل الأزمة. وكان آخرهذه الأزمات أزمة زيت الزيتون وارتباط السوق التونسية بالسوق الأروبية وغياب استراتيجيات حفظ ومعالجة وفرة الانتاج. واكتفى الفخفاخ بالحديث عن أولوية حكومته في حل أزمة الماء التي تعاني منها أغلب الولايات التونسية في ظل غياب استراتجية وطنية لاستغلال الثروات المائية.
الاستثمار الداخلي واستغلال الشركات الكبرى
ولعل من أهم دعامات الاقتصاد التونسي إضافة الي المجال الفلاحي ، هي مجال الاستثمار وخاصة الشركات الصغرى و المتوسطة. وقد غابت على كلمة الفخفاخ اليوم المؤشرات حول أزمة القطاع البنكي التونسي وعجزه عن قيامه بدوره بالكامل في تمويل الاقتصاد التونسي.
ويرزح بنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسط، تحت وطأة القروض المتعثرة، المقدّرة منذ تأسيسه سنة 2005 وحتى أكتوبر 2019، حوالي 150 مليون دينار. وواجهت 80 بالمائة من المشاريع التي موّلها البنك صعوبات مالية، وافلست 40 بالمائة وفق ما أكده البنك في أكثر من مناسبة.
وعلى ما يبدو فإن طرح تبسيط الإجراءات والتعقيدات الإدارية غير كافي لحل أزمة المؤسسات الصغرى والمتوسطة، ورغم توجيه الفخفاخ دعوة إلى المستثمرين التونسيين لدعم الاستثمار الوطني الا أنه غابت عليه الحلول العملية لأزمة تمويل هذه المؤسسات. ولم تكن الرؤية واضحة في كلمة الرجل اليوم، في علاقة بحل أزمة الشركات الكبرى التي تعتبر أهم دعائم الاقتصاد الوطني وعلى رأسها شركة فسفاط قفصة. فالحديث عن عودة الحياة إلى الجهة في ما كل الجوانب صناعيا وتجاريا وبيئيا وتنمويا بدى عاما وغير دقيق.
عديدة هي النقاط التي تضمنها خطاب رئيس الحكومة المكلف والتي بدت عامة وغير دقيقة، فالاجراءات العملية لتنفيذ التعهدات والمشاريع الوطنية السبع التي تحدث عنها الرجل تحتاج الكثير من العمل صلب فريقه الحكومي والعديد من الملفات الحارقة وخاصة الاقتصادية منها تتطلب وضع استراتيجية دقيقة وناجعة.