“مزاد علني”: عمل مسرحي جديد حول صراع الأجيال
بدعم من وزارة الشؤون الثقافية، قدّمت شركة “ميم جيم” للإنتاج الفنّي عملها الجديد في مدينة الثقافة يوم السبت الماضي، بعد عرض أول في مدينة المنستير.
المسرحية الجديدة تحمل عنوان “مزاد علني” وهي من تأليف محمد الصحبي بن حسن عن نص “ترنيمة الحوت المهجور” للكاتب الفرنسي إيف لوبو، وتمثيل كلّ من هالة عزيزي وريم عبد المجيد وشكري سلامة وزياد مسعودي، سينوغرافيا عبد الواحد مبروك وموسيقى عماد مسعود وتصميم رقمي لسنية بركاوي وتوضيب عام لمعز بن شعبان فيما أخرج المسرحية محمد فوزي اللبّان بمساعدة الصحبي بن حسن.
تقدّم مسرحية مزاد علني” قصة التنكّر والتنصّل من فضل الأم على أبنائها، ومحاولاتهم الهروب إلى الأمام من خلال السعي إلى التخلّص منها كونها تذكّرهم بماضيهم وجذورهم، فيما يحاولون تأسيس حياة خاصة بكب واحد منهم في قطع تام مع الماضي والذكريات والأصول بما في ذلك والدتهم التي أصبحت تمثّل عبئا ثقيلا أو “عالة” بالنسبة إليهم.
هي إذن حكاية الأم التي سيأخذها أبناؤها لدار المسنين رغما عنها، حكاية الأم التي لا تريد أن تغادر منزلها، لا تريد أن تغادر ذكرياتها، تاريخها وماضيها وتنتقل لمكان آخر غريب عنها لتعيش غريبة بين جدران باردة.
هي حكاية الأبناء الذين يريدون التخلّص من هذه “الأم” التي أصبحت تمثّل ثِقَلا هم في غنًى عنه في حياتهم الجديدة، هذه “العجوز” التي ما فتئت تذكرهم بأهمية التمسك بالجذور والذكريات وعدم التفريط فيه فيه لأي سبب من الأسباب.
قصة المسحرحية تحيل مباشرة إلى ذلك الصراع بين طرفين متقاربين ومتباعدين في نفس الوقت، متقاربين من حيث العاطفة وصلة الرحم ومتباعدين من حيث الزمن وأسلوب التفكير، ويعكس بالضرورة العلاقة المتصدعة المتوترة بينهما وما فيها من رمزية لما أصبحت عليه العلاقات الأسرية بشكل خاص والإنسانية عموما.
تلك العلاقة بين الأجيال وما تشهده من تغيّرات كبيرة يطبعها أحيانا البرود والجفاء والهجر، وخاصة عدم الإكتراث بالآخر في ظل التغيّرات التي يشهدها العالم بأسره.
في هذا السياق تكرر عبارة “كل فول لاهي في نوارو” على اِمتداد النص، وهي ما يجعل الأم تبتئس لسماعها على لسان أبنائها الذين لم يعودوا مهتمين لما سيحدث لها بعد التفريط فيها وإيداعها دار المسنين.
لكنّ الأم لا تيأس وفي سياق الفعل المسرحي نراها تتلاعب بأبنائها وتحاول لفت نظرهم لقيمتها لديهم ورغبتها في عدم التخلي عن بيتها وحياتها ساعية لإرجاعهم لجذورهم وماضيهم وهويتهم لكن دون جدوى.
هو قلب الأم وعاطفتها التي لا تنظفي بمرور الزمن أو تراكم الأحداث، ذلك القلب الذي يتّسع لكل تجاوزات الأبناء مهما كانت قاسية أحيانا.
فيما يتمسّك الأبناء كلٌّ بما لديه من مشاغل وحياة خاصة تمنعه من العودة للخلف واِستعادة حياته السابقة.
لكنّ الأم تقرّ في نهاية المسرحية بهزيمتها وتعترف بعجزها فما كان منها إلاّ إضرام النار في البيت وحرق نفسها معه معلنةً فشلها في اِستعادة أبنائها الذين يندمون لاحقا على ما اِقترفت أنانيتهم ونراهم يتحسّرون على ما حدث إلاّ الاِبن الأصغر الذي رغم كل ما حدث يصرّ على مطالبة إخوته بحقّه في الميراث متناسيا أنه أحد المساهمين فيما وقع لأمهم.