في عيد الميلاد : المسيحيون التونسيون مسجونون داخل المباني
كانت الساعة تشير الي الثانية والنصف يوم السبت بكنيسة “شارل ديغول” بالعاصمة ليس هناك أي علامة لاحتفالات المسيحيين التونسيين بعيد ميلاد المسيح خارج مبنى الكنيسة. لا شيء تغير هنا منذ سنوات لا يمكن لعشرات المسحيين أن يشاركوا فرحتهم بعيد الميلاد مع بقية المواطنين.
التونسية – خولة شبح
من الصعب على المسحيين التونسيين ممارسة شعائرهم الدينية في العلن في ظل غياب إطار قانوني يعترف بوجودهم وتواصل العمل بإتفاقيات قديمة لتنظيم الشعائر الدينية في الكنيسة الكاثوليكية. المفاجأة هي أن أغلب المسحيين التونسيين هم من المذهب “البروتستاني” الذي لا تشمله الاتفاقية التي أمضيت بين الدولة التونسية ودولة الفاتيكان سنة 1964 والتي تمنع الاحتفال والدعوة للدين المسيحي خارج المباني.
خارج القانون
حاليا تنظم عمل الكنائس في تونس مجموعة من الأوامر القديمة التي جاءت قبل الاستقلال ولم يتم تحيينها الي اليوم والتي تضع عوائق أمام ممارسة المسيحيين لشعائرهم الدينية وتنظيم العمل داخل كنائسهم.
وعلى مدى أكثر من 55 سنة لم يعمل المشرع التونسي على تعديل الإطار القانوني المنظم لعلاقة الدولة التونسية بـ “الكنيسة” وليس هناك حاليا لدى مجلس نواب الشعب أي مشروع لتنظيم عمل دور العبادة غير المسلمة.
ويتعامل الجانب الرسمي التونسي ممثلا في وزارة الشؤون الدينية على معنى اتفاقية 1964 وتؤكد الوزارة في أكثر من مناسبة أن كل الكنائس مقيدة بهذه الاتفاقية ، ولكن احتفالات عيد السيدة العذراء الذي انتظم في 15 أوت 2017 والتي أثبتت رغبة بقية المواطنين في مشاركة المسحيين احتفالاتهم طرحت موضوع تعديل الاتفاقية التي تمنع الاحتفال بالشعائر الدينية المسيحية خارج المباني.
وترتبط مسألة علنية الشعائر الدينية ارتباط وثيق بحرية الدين والمعتقد، حيث علق المقرر الأممي الخاص بحرية الدين والمعتقد أحمد شهيد خلال زيارته لتونس في أفريل 2018 أن “بعض أشكال المجاهرة العلنية بالدين أو المعتقد تواجه قيودا، مثل ممارسة الدعوة في الأماكن العامة”.
ولا تخفي بقية الطوائف الدينية المسيحية قلق من تنفيذ نص الاتفاقية عليها كالطائفة “البروتستانية” في حين تكتفي الطائفة “الكاثوليكية” بالالتزام باتفاقية 1964 وتواصل الطائفة ” الأرثوذكسية” الانغلاق على نفسها في تونس دون السماح للتونسيين بالدخول لها.
التونسيون مشتتون
ويعاني التونسيون إشكالية عميقة في علاقة بممارسة شعائرهم الدينية تتعلق أساسا بالاعتراف بهم، ويقدر عددهم حسب رعاة الكنيسة التونسية بألفي مسيحي تونسي يضافون لـ 30 ألف مسيحي أجنبي وهو الرقم الرسمي التي تعلنه وزارة الشؤون الدينية في كل مرة.
ونتيجة غياب القانون يمارس المسيحيون التونسيون شعائرهم الدينية في منازلهم أي ما يعرف بـ “الكنائس البيتية” والتي تبقى حرية ممارسة الشعائر فيها رهين الإرادة السياسية. وحاليا تحضى الكنيسة التونسية بالعاصمة برعاية كبيرة لكن تبقى عديد الكنائس البيتية التونسية تعاني انقسامات وصعوبة تنظيمية نتيجة غياب نصوص تنظم عملها وامكانيات لوجستية تواكب تزايد عدد المسحيين التونسيين وتوقفت بعض الكنائس البيتية عن العمل أحيانا كنيستي قفصة وهو ما يحول دون قيام المسحيين التونسيين بشعائرهم الدينية و طول فترة الغياب عن بعضهم.
كما يعاني التونسيون من مشاكل تتعلق بتوفر الإمكانيات لمزاولة تعليمهم الديني للارتقاء في سلم المسؤوليات الكنسية والوصول الى رتبة “رعاة الكنيسة” أو “الوعاظ” فيها. فيضطر أغلبهم للسفر ومزاولات دراساتهم الدينية في لبنان ومصر وفرنسا وأمريكا على نفقتهم أو بمساعدة من كنيستهم الأم، ويعود هؤلاء دون وجود إطار يضمن لهم مزاولة مهامهم كرجال دين في إطار قانوني واضح.
كل هذه المشاكل تمثل الى اليوم عوائق كبيرة أمام تنظيم الكنيسة التونسية وأمام قيام المسحيين التونسيين بشعائرهم الدينية في إطار العلنية والقانونية وتضعهم رهينة الإرادة السياسية في غياب القانون. يواصل المسيحيون التونسيون احتفالهم بعيد الميلاد كل سنة في الخفاء رغم كل معاني التسامح التي يكرسها أعياد ميلاد الرسل في كل الديانات وما يعتبر فرصة للرحمة والمحبة والتسامح بين المواطنين التونسيين.