سكون”: تأمّلات في مفهوم الجدار
يُواصل المخرج التونسي نعمان حمدة تقديم عروض مسرحيته الجديدة “سكون” منذ منتصف الشهر الماضي، والتي اشترك مع ليليا الأطرش في كتابة نصها، ويطرحان خلالها تساؤلات حول القيود التي يخلقها الخضوع للضوابط الأخلاقية والأنظمة والقانونية والمجتمعية.
العمل الذي يشارك فيه الفنانون أميرة شعبان وعبد الحميد بوشناق ومحمد علي بن جمعة ونعيمة الجاني مع مخرجه، يقدَّم في “قاعة الفن الرابع” في تونس العاصمة بدءاً من السابعة والنصف من مساء السبت المقبل ولثلاثة أيام متتالية.
يُفتتح العمل بظلام دامس يمثّل الحد الذي يريد الإنسان الانعتاق والتحرّر منه، وتجاوزه باتجاه النور، عبر مخاطبته كأنه مرآتهم، في تداعٍ حر يتناول مسائل فلسفية عديدة، منها جنوح المخيلة وانزياحها للتعويض عما يُفتقد في الواقع.
يظهر نعمان حمدة على المسرح وسط الظلام بهيئة تثير الخوف والهيبة، وتقف قبالته درويش في الطرف المقابل من الخشبة وقد أدارت ظهرها لتبدو كشبح هائم، وهنا ينبني العرض على شخصيتين غامضتين لا تُمنحان أي اسم أو لقب، حيث يتبادلان الأدوار بين الأنا والآخر.
يشير المخرج في بيان المسرحية إلى أن صوت القطار وتكرر لفظ “الترينو” في المسرحية دلالة على المحطات التي نمر بها في حياتنا ومدى أهمية المحطة الأخيرة التي وصل إليها الممثل، وهي تلك التي يصل إليها الإنسان بعد أن يمر بجميع المحطات، وفيها يسائل ذاته والمغزى من وجوده وبعثه”.
يتناول العمل فكرة الجدار الذي يعني الحدود بين الملكيات والتمترس خلفها ووراء أيديولوجيات يصنعها الإنسان بيده، وتصبح حواجز سواء كانت معنوية أو مادية تحول دون تحقيق الإنسان لأحلامه في مختلف مراحل حياته منذ الشباب، حيث الحائط هو العنصر الأبرز في الديكور والسينوغرافيا التي تعتمد على العتمة والإضاءة الخافتة، إلى جانب اختيار مقطوعات موسيقية تتماهى مع الانتقال من حالة نفسية إلى أخرى.
يتضح المشهد كاملاً في النهاية؛ حيث السكون يخيّم على النفس البشرية، التي يحاصرها التفكير وتصطرع داخلها الأفكار والهواجس والرغبات، والتساؤلات عن المصير المجهول الذي ينتظر الإنسان، وفي الوقت نفسه يظلّ الماضي يلحّ بحضوره باعثاً على الندم أو الخوف أو الاستلاب وغيرها من المشاعر المركبة.
يُذكر أن نعمان حمدة ممثّل ومخرج وكاتب تونسي بدأ عمله في المسرح نهاية الثمانينيات، وأدى العديد من الأدوار ممثلاً منها “عشّاق المقهى المهجور” و”عنف” للفاضل الجعايبي، ثم كتب مسرحيتين هما “قصر الشّوك” و”سباحة حرّة”، وأخرج مسرحية “كاوو”.