الوطنية

تقرير / بالأرقام تونس في طريق الإفلاس وصندوق النقد الدولي يدقق في مآل القروض الممنوحة

حذر عديد الخبراء في الشانالاقتصادي الوطني من أن تونس توشك على التعثر المالي الشديد بمعنى العجز عن الإيفاء بالتزاماتها المالية، محليا وخارجيا، أو هي قد بلغت فعليا هذه المرحلة استنادا إلى مؤشرات نوعية وكمية مختلفة إلى درجة إقرار يوسف الشاهد رئيس حكومة تصريف الأعمال نفسه بهذه الوضعية في تصريح أدلى به لوسائل الإعلام منذ ايام بأن حكومته قد تمكنت بفضل جهود مضنية من إنقاذ البلاد من الإفلاس رغم معارضته الشديدة لاستعمال هذا المصطلح طيلة أعوام.
ووفقا لمعطيات مذكرة تنفيذ نتائج ميزانية الدولة الصادرة حديثا عن وزارة المالية بعنوان شهر سبتمبر 2019 والتي تحجب منذ أشهر نشرية الدين العمومي، فان موارد الاقتراض طيلة الأشهر التسع الأولى من العام الجاري تناهز 8365 مليون دينار بما يمثل زيادة قياسية نسبتها 50.3 %مقارنة بنفس الفترة من سنة 2018. وتوزع الاقتراض بين البنوك التي منحت للدولة 2384 مليون دينار والجهات الخارجية التي بلغت قيمة قروضها للدولة التونسية إلى موفى سبتمبر المنقضي 5981 مليون دينار مسجلة بذلك ارتفاعا بـ 58 %.
أما على مستوى خدمة الدين وهي المتمثلة في تسديد أصل الدين والفوائد المترتبة عنه، فقد كانت الكلفة للمجموعة الوطنية باهظة للغاية إذ وصلت قيمة خدمة الدين الداخلي أي تلك المدفوعة للبنوك 2241 مليون دينار، في حين تجاوزت خدمة الدين الخارجي 5885 مليون دينار. وإجمالا، تقدر وزارة المالية وسائر السلط الحكومية نسبة التداين نهاية هذا العام بنحو 72% في حين تصل، وفق تقديرات البنك الدولي، ذات النسبة إلى 83% حاليا مع توقع بلوغها 89% نهاية 2020 دون اعتبار ديون المؤسسات العمومية إذ في صورة احتسابها وفقا للمعاير الدولية، فان النسبة العامة للتداين في البلاد تكون أواخر 2019 في حدود 123%.
غير ان بيت القصيد يتمحور فعليا حول تقدير قيمة الدين العمومي بالرجوع لقيمة المدخرات من العملة الأجنبية وإجمالي مداخيل القطاع الخارجي، بالنظر إلى أن الدين التونسي ليس دينا سياديا بحكم أن البلاد تقترض بعملات أجنبية معلومة وهي عملات التداين المتكونة من الاورو و الدولار واليان الياباني في حين أنها لا تسدد ديونها بالدينار بل بذات العملات مما يطرح إشكالات نقدية كبرى يقع التغافل عن كشفها في خصوص القدرة على تعبئة العملات المذكورة لسداد الدين العمومي سيما بشقه الخارجي والقدرة على تحمله.
وفي هذا الصدد، واستنادا لمعطيات تقرير البنك المركزي التونسي لسنة 2018، فان الدين الخارجي التونسي يشكل أربعة أضعاف مدخرات البلاد من العملة الأجنبية نهاية السنة الماضية. كما لا تسمح كافة مداخيل تونس المتأتية من تعاملاتها الدولية من صادرات وتدفقات استثمارية وعائدات سياحية وحويلات التونسيين العاملين بالخارج الا من تغطية حصة لا تتجاوز 69% من القيمة المتراكمة للدين والمقدرة بنحو 82890 مليون دينار ويعني ذلك أن الاقتصار على قياس الدين العمومي سيما الخارجي منه بالمقارنة مع إجمالي الناتج المحلي وهو الذي يجري احتسابه بالدينار أمر لا معنى له في المطلق دون اعتبار المقارنة بالمدخرات من النقد الأجنبي وبمقابيض القطاع الخارجي.
واستنادا إلى المؤشرات السابقة يمكن استخلاص ما يلي :
الدين العمومي التونسي تحول إلى دين غير قابل للتحمل باعتبار تجاوزه أضعافا مضاعفة قيمة مدخرات البلاد من النقد الأجنبي وموارد القطاع الخارجي برمته؛
متوسط مدة سد ا الدين التونسي هو 58 عام ستجعل كل مواطن تونسي رهين هذه المدة لتسديد الديون، وهي مدة تشير إلى دقة وضعيته إذ أن اليونان دخلت مسار التفليس وأشهرت عجزها عن سداد ديونها ليستولي دائنوها على ابرز أصولها وممتلكاتها مع بلوغ معدل سداد ديونها 62 عاما وهي مدة ليست بالبعيدة عن المدة التي تعادل متوسط اجل سداد الدين التونسي
يعتبر تطور خدمة الدين العمومي بنسبة تتجاوز 50% في ظرف تسعة أشهر مسألة لافتة للانتباه إذ أن نفقات الدولة، تصرفا وتجهيزا، لم تتطور بهذا القدر، من جهة، كما أن النسبة تحيل إلى ارتفاع مهول لنسب الفائدة، من جهة أخرى
تتراوح نسب الفائدة المتعلقة بالقروض التي تحصلت عليها تونس خلال السنوات الخمس الأخيرة من مضاربي السوق المالية العالمية وسماسرتها ومرابيها – بالمعنى الفني للمصطلح -بين 32 و 41 % نظرا إلى أن القروض هي قروض طويلة الأجل وإلى أن تسديدها يتم في آخر المدة دفعة واحدة…
يبدو في الظرف الراهن وخصوصا، في ظل توقف صندوق النقد الدولي عن صرف القسطين السادس والسابع من القرض الائتماني لتونس والذي تقدر قيمته بحوالي 2.8 مليار دولار وبداية تساؤل مفوضية الاتحاد الأوروبي عن مال 15 مليار اورو اقرضها للبلاد، أن مصير مواصلة الهيئات المالية الدائنة إقراض تونس هو مصير غامض وذلك على وقع تكتم السلط المالية بالكامل تقريبا حول كافة المؤشرات الحساسة، على هذا المستوى، باستثناء دائرة المحاسبات التي نشرت، في هذا الصدد، تقريرا رقابيا مستفيضا ابرز جل هنات التصرف في هذا المحور بما يرتقي إلى مستوى أخطاء التصرف الجسيمة، على اقل تقدير
كما أن ارتفاع حاجات تونس للتمويل الخارجي بما قدره 12 مليار دينار وهو ما يعادل بالتحديد الرصيد السلبي لميزان المدفوعات والذي يساوي 12.1 مليار دينار أي 11% من الناتج المحلي الخام، يعني أن السلط الحكومية أصبحت عاجزة على التحكم في أية وضعية تعثر في خصوص الحصول على قروض خارجية بحلول السنة القادمة.
ولم تف عدة جهات مالية دائنة بتعهدات كانت قد تقدمت بها لتونس قبل الانتخابات تحت عنوان دعم المسار الانتقالي والديمقراطي، إذ تخلى عن هذه التعهدات والتي تعتبر حيوية لمجابهة عجز ميزانية البلاد وتمثل 3.9 % من الناتج ( بالأساس من البنك الأفريقي للتصدير والاستيراد 800 مليون دولار و البنك الأوروبي لإعادة البناء و التنمية 150 مليون اورو والبنك الإسلامي للتنمية 500 مليون دولار).
يذكر كذلك أن عدة وكالات دولية للتصنيف المالي السيادي والائتماني على غرار وكالات “موديز” و “فيتش رايتينغ” و “كابتال انتلجنس” الدولية المتخصصة في هذا المجال، كانت قد أبرزت منذ بداية العام الحالي أن هناك عدة أسباب تؤثر على آفاق التصنيف الائتماني للاقتصاد الوطني والمؤسسات التمويلية التونسية في مستوى “ب ب- ” عموما مع آفاق مستقرة نسبيا وهي ترتكز أساسا على تفاقم التداين العمومي بصفة لا تتناسب مع خلق القيمة المضافة الاقتصادية ونسبة التضخم النقدي تبعا لما تشهد البلاد خصوصا من تصحر صناعي وشدة وطأة الاقتصاد غير المهيكل وثقل الديون البنكية غير المستخلصة (%12.7) و شح السيولة في السوق النقدية بما قدره 12390 مليون دولار .
وكشفت هذه الوكالات أن البلاد حصلت خلال السنوات (2015 – 2018)، على قروض من بنوك ومؤسسات إقليمية ودولية، بحوالي 9.647 مليار اورو أي ما يعادل 30 مليار دينار أنفقت فحسب في مجال معالجة عجز الميزانية و دعمها بشكل مباشر أي خارج محاور التنمية و التطوير الاقتصادي بما اثر بصفة أو بأخرى على تقييم العملة الوطنية سواء تعلقت المسألة بالمدى المنظور أو متوسط وطويل الأمد. ويتضح على هذا الأساس وبشكل عام، أن أي تعثر للبلاد سواء تعلق الأمر بسداد الديون أو رفض الجهات الدائنة مواصلة دعم ميزانية الدولة لمجابهة عجزها الذي أصبح هيكليا سيؤدي إلى نتائج وخيمة لعل أبرزها ما عاشته الأرجنتين ودول شرق ووسط أوروبا وعدد من بلدان الشرق الأوسط والتي تمثلت أساسا في :
على المستوى المحلي، تسارع نسق سحب الأموال من البنوك باعتبار خشية المودعين بكافة أصنافهم تعثر البنوك والمؤسسات المالية عموما في ما يتعلق بالإيفاء بالتزاماتها وتمكين حرفائها من سحب أرصدتهم كليا أو جزئيا،مزيد تراجع التصنيف الائتماني للبلاد مما ينجر عنه توقف الإقراض أو صعوبته بمختلف أصنافه…
انهيار القطاعات الاقتصادية الواحد تلو الآخر وهو ما يجري حاليا في البلاد بشكل خاص بدءا بالفسفاط والصناعات الطاقية والاستخراجية والمعملية وصولا إلى المنظومات المرتبطة بالصناعات التحويلية وما شابهها من صناعات خفيفة كصناعات الغذاء والفلاحة والملابس والنسيج والجلود والأحذية
سقوط البورصة وكافة الأنشطة المتصلة بهيئة السوق المالية
هذا وقد حذر خبراء من سنوات صعبة جدا انطلاقا من 2020، بعد استحالة التفاوض من جديد بين تونس وصندوق النقد الدولي لمنح الدولة قروضا جديدة، كما سينجر عنه اقتراض داخلي وارتفاع في الاسعار وصعوبة حصول المواطن على قروض بنكية، كما كشفت مصادر للصريح اون لاين ايضا عن مطالبة البنك الدولي التدقيق في مال قروض تم منحه للبنية للتحية والتنمية في بعض الجهات لكن التقارير الاخيرة تشير الى عجز الحكومات التونسية عن تنفيذ عديد المشاريع الهامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى