الوطنية

سيماء المزوغي تكتب:مايا ومحاكم التفتيش الجديدة

أكتب لكل نفس حر.. أكتب للمبادئ لا غيرها

محاكم التفتيش الجديدة..
من منكم يعرف محاكم التفتيش الجديدة؟
هم يحتكرون الحقيقة، كل الحقيقة .. حاول ان تعبّر عن رأي مختلف، ستخوّن ببساطة، ربما يرشقونك بوابل من نعوت وصفات تخيلوها لك، ربما سيحرضون ضدك.. سيفعلون أي شيء لأنك مختلف.. أو تملك رأيا مختلفا.. في 14جانفي 2011 كُسر حاجز الخوف، كسره كل نفس حر، متحرر، اليوم نسبوا للآخر هذا الحاجز وأصبحوا أولياء للثورة.. أوصياء عليها وتناسوا قيمها.. بل هاهم يحاولون قتل الرموز والقيم.. الإعلام الحر، رمز.. المجتمع المدني بكل مكوناته، رمز.. رموز كثيرة تصبّ في خانة الديمقراطية والحرية، أرادوا قتل الرموز ولا يعرفون أن الرموز تُغتال ولا تُقتل..
محاكم التفتيش متى ظهرت ومتى انتهت؟ كانت ومازالت.. ولن تنتهي ما دام الوهم جاثما على العقول.. ربما غابت عنّا أسماء، وربما دفن التاريخ أسماء وسير..
«مجرمو» محاكم التفتيش، هم أشباح ترتبك منهم العامة، يحرقون إنسانيتهم وتخافهم الحكومات، وينصرهم التاريخ، ويخلّدهم العقل.. هم لبنات الحكمة.. التي تحاربها جحافل الوهم والرجعية..
في الماضي البعيد كان ابن سينا الطبيب والفيلسوف يلقّب بإمام الملحدين وشيخهم، كفّره حتى الغزالي في كتابه المنقذ من الضلال، وابن كثير في كتابه البداية والنهاية وحتى ابن القيمُ كفّره وهجاه قائلا.. هـذا المعـاد وذلك المبدأ لدى، جَهم وقـد نسبـوه للقرآنِ.. «هـذا الذي قاد ابن سينا والألى، قالـوا مقالتَـةُ إلى الكفرانِ»…
استوت كتب ابن رشد مع الرماد عندما أُحرقت وأفتى بحرقها رجال الدين المتعصبون براية السلطة.. أبو حيان التّوحيدي الفيلسوف المتصوّف والأديب الجلي وصفه رجال عصره بالزنديق والملحد.. التوحيدي جمع كتبه وأحرقها بنفسه قهرا وكمدا من رجال الدّين في عصره، فلم يسلم منها غير ما نقل قبل الحرق، كما نقل ياقوت الحموي في معجم الأدباء..
الإمام أبو جعفر الطبري، المؤرخ والفقيه، مات قهرا محاصرا في بيته، رجموا بيته بالحجارة حتى أن الباب لم يفتح جراء أكوام حجارة الراجمين، هكذا جازاه حنابلة بغداد ممن كفّروه ونسبوا إليه الإلحاد..
المعرّي الشاعر والفيلسوف والأديب اعتكف وسجن نفسه بنفسه من شدّة جهل مجتمعه، الذي لا يؤمن بالاختلاف، بل لا يعرف للاختلاف معنى ولا يقدّر فيلسوفا ولا عالما.. وعوض أن يكون العالم أيقونة لرفع الجهل والتخلّف والانحطاط يسارع العلماء في تمريره على آلة قيس الكفر من الإيمان.. وخير دليل على هذا ما قاله «عالم المسلمين» ابن الجوزي، «زَنَادقَةُ الإِسْلاَمِ ثَلاَثَةٌ : ابْنُ الرَّاوَنْدِي ، وَأَبُو حَيَّانَ التَّوْحِيْدِيُّ ، وَأَبُو العَلاَءِ المَعَرِيُّ ، وَأَشدُّهُم عَلَى الإِسْلاَم أَبُو حَيَّانَ ، لأَنَّهُمَا صَرَّحَا ، وَهُوَ مَجْمَجَ وَلَمْ يُصرِّح»..
الأديب الحكيم عبد الله ابن المقفع لم يكفّروه فحسب بل قتلوه في سيناريو أشنع من سينريوات داعش، حيث أخذ رجال والي البصرة في عهد الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور، يقطعون أعضاءه، ويتفنون في قطعها ليرموا بها في الفرن حتى تحترق بينما كان ابن المقفع يرى أعضاءه تحترق حتى مات ألما وقهرا وفتكا..
إخوان الصفا أوخلان الوفا هم جماعة من فلاسفة ألفوا خمسين مقالة سموها»تحف إخوان الصفا»، لا نعرف أسماءهم ولعلّ ابن المقفع من بينهم، أخفوا أسماءهم خوفا من غدر رجال الدين وغطرستهم..
الحلاج علم من أعلام التصوّف أقيم عليه حدهم، حدّ الكفر، وقتل..
وحديثا اغتال المتطرفون المفكر المصري فرج فودة بعدما أشبعوه بفتاوى التكفير…
هذه عينة من محاكم التفتيش.. هذه عينة ممن ظنّوا أنهم ملكوا أرواح البشر وتفنّنوا في تعذيبهم وإراقة دمائهم.. وحجبوا عن الإنسانية خيوط النور التي تفتح أمامهم أبواب الرحمة والحكمة والمعرفة..
مهما فعلوا.. فسلطة القلم خالدة لا تموت و«سلطة» الوهم والكراسي، هزّزاة، تارة في الأعالي وطورا وراء النسيان والتاريخ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى