سيماء المزوغي لقيس سعيد:معاركنا ضد الرجعية والعدمية والفوضوية مستمرة
السيد قيس سعيد الأستاذ المساعد في القانون الدستوري والمترشح لرئاسة الجمهورية،
قلت أنك تقدمت للانتخابات الرئاسية “من موقع الشعور العميق تجاه هذا الوطن وهذا الشعب”، غير أنك عمّقت مخاوفي وقلقي تجاه مواطنتي الكاملة وتجاه وطني. عمّقت مخاوفي كامرأة تريد أن تعيش حرّة لا سلطان عليها سوى القانون، ذلك القانون الذي نريده مدافعا عن الحقوق الإنسانية والكونية يوما ما..
قلت أنك لم تذهب لبيع الأوهام ولا الأحلام الزائفة.. قلت الكثير وفهمنا أكثر، فهمنا أنك لا تمتلك برنامجا، فقط هي مجرّد أفكار وأحلام..
فهمنا أنّ إحساس المدافع تملكك وأصبحت لغتك المحافظة مدافعة، وكأنك تتلقى الضربات من كل جانب، أتعتبر أن الأسئلة التي تثار حولك هي هجوم ضدك؟ الرئيس يا سيدي , يجب أن يكون واثقا و مدافعا عن برنامجه وأفكاره بكل جرأة وثبات، الرئيس يا سيدي عليه أن يكون صلبا لا هشّا باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة، و باعتباره مهندسا للسياسة الخارجية والداخلية أيضا.
سيدي هذا النظام الذي تقترحه لم نره لا من قريب ولا من بعيد، فهل أنت فعلا مطلع على التاريخ السياسي لتونس ولدول البسيطة؟
هل تعتقد فعلا أنّك ستضغط على زر ما ليحقّق لهذا الشعب الذي يريد ما يريد فعلا؟
بما أنك لا تمتلك برنامجا بصريح العبارة، لنعد للأفكار.. أتعتقد فعلا أنّ الثورة محافظة؟ مفاهيمنا للثورة مختلف.. من ذلك قلت أنك ضد المساواة في الميراث لأنّ الرجل ينفق، هل أنت تمزح؟
هل تعيش في كوكب هلامي؟ هل تعتقد أنّ تلك الشاحنة التي أودت بحياة 12 إمرأة في معتمدية السبالة مثلا، ما كانت لتقع إلا لأن هؤلاء الشهيدات يذهبن للعمل محاذيات للموت كي يشترين أدوات التجميل مثلا أو كي يجمعن النقود لقضاء رأس السنة في باريس مثلا؟
يا سيدي 12 إمرأة توفيت في أفريل 2019 وقبل ذلك التاريخ وبعده ابتلع ويبتلع الإسفلت الكثيرات.. كادحات يقتلعن حق الحياة في مفهومه الأول من طبيعة قاسية..هذا مجردّ مثال، أتحدّاك أن تجد إمرأة واحدة تعمل كي لا تنفق..
أنا يا سيدي أعمل لأعيل نفسي وعائلتي وأدفع ضرائبي كاملة وحقي في مواطنتي لا تمتلكه أنت كي تمنحني إياه منقوصا..
حقي اكتسبته وأكتسبه وضحّى لأجله الكثير من رجال الوطن ونساءه، أذكرك بفصل من الدستور يقول : “المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، هم سواء أمام القانون من غير تمييز”، إذن لا تتحدّث عن الإنفاق إلا في بيتك الكريم وفي فضائك الخاص..
أنت الآن في حضرة وطن ومواطنين.. أنت في هذا الفضاء العام..
سيدي لا تمتلك برنامجا ولنا معارك أساسية، معركة دفع النمو وخلق الثروة، معركة الارتقاء بالاقتصاد، معركة حوكمة مؤسسات الدولة، معركة الإصلاح التربوي.. معركة احتضان الأدمغة التونسية التي تتسابق للهجرة.. معارك اقتصادية واجتماعية وتربوية وبيئية وأخرى ثقافية وحضارية وقيمية ..
مخطئ من يعتقد أن الرئيس لا تعنيه كل هذه المعارك.
سيدي لقد أعدت أطر النقاش إلى مربّع صراع الأفكار خاصة عندما نتحدّث عن الحقوق والحريات، تكلمت بما يطمئن الجماعة، احتميت بها ولم تخرج عن جلبابها، بدوت صادقا فأنت تؤمن فعلا بما تطمئن له الجماعة.. التي لا تأبه بالحقوق الفردية لأنه يعرّي نفاقها ويخلخل نواميسها ويكسر مسارا كاملا من طقوسها وأحكامها وشروطها، فالحقوق الفردية لا يصدح ولا ينادي بها الا الشجعان.. ولا يدافع عنها أو يحمل رايتها إلا الشجعان ممن حملوا نموذج الاجتهاد والتحديث والانفتاح ..
بعيدا عن ذلك المربع الذي يعيد سطوة الشريعة في تفاصيل حياة الناس.. أنا لا أريد أن أعيش كما تراني أنت وكما تتصور حياتي أنت..
لو كنت تدري أنّ المواطنة المتساوية هي لبنة أساسية من لبنات النظام والسلم الاجتماعي والنفسي وحتى الاستراتيجي، لما صدحت بما صدحت.. تأكد أننا لن ننام أمام حقوقنا الإنسانية الكونية..
لكل منا مدينته الفاضلة، غير أننا لا نتعسّف على واقعنا لأجل حلم مدينة من ورق، ما إن تصحو حتى تصطدم الإسفلت وحفر الحياة.. هل تريد أنت كرئيس محتمل في أعلى الهرم أن تضرب بعصاك السحرية فيُبنى مجتمع فاضل متملك لحقوقه وواجباته ومواطنته من أسفل الهرم؟ هكذا بمعجزة ربانية؟ هل تعتقد أنّ المواطن الذي لم يتملك مواطنته يستطيع أن يحلّق بلجانك الشعبية نحو مدينتك الفاضلة؟ ألا تعتقد أن الواقع سيحاصرك بأفواه جائعة لا بعقول مفكرة؟
كما تعلم سيدي إن الجوع كما الجهل كافر.
وأخيرا أنا أؤمن بعقيدة الدولة، دولة القانون والمؤسسات والحرية وحب حياة.. أؤمن بوطن تُعلى فيه الإنسانية والإختلاف .. ستكون لنا يوما هذه الدولة التي نريد وسيكون لنا هذا الوطن الذي نحلم.. وبين الحقيقة والحلم، معاركنا ضد الرجعية والعدمية والفوضوية مستمرة..