ربما أهذي إن أكتب هذا الكلام ولكن سئمنا..
بعيدا عن المعارك والصراعات السياسية الطاحنة التي كلما اشتدت إلا وهزلت الدولة وضعفت أركانها، بعيدا عن الاصطفاف السياسي الأعمى الذي كلما ظهر في مشهد سياسي إلا وخرّبه ودنّسه وحقن المجتمع بمزيد من الصراعات، بعيدا عن المزايدات والشعبوية التي جعلت هذا المشهد خانقا جحودا يلغي مصلحة البلاد ويعبث بمصالح العباد، بعيدا عن اللوبيات والعشائريات والجهويات وكل توصيف يمكن أن يقسّم التونسيين ويشتتهم ويلهيهم عن المعارك الأساسية، معركة دفع النمو وخلق الثروة، معركة الارتقاء بالإقتصاد، معركة حوكمة مؤسسات الدولة، معركة الإصلاح التربوي.. معركة احتضان الأدمغة التونسية التي تتسابق للهجرة.. معارك لا تحصى ولا تعد، معارك اقتصادية واجتماعية وتربوية.. غير أنّ المعركة التي ستسبقهم في تقديري طبعا هي معركة لملمة القوى “التقدمية”، التي تآكلت داخل أحزابها المختلفة، والتي تشتت وتصارعت فيما بينها..
المعركة السياسية الحقيقة هي لم شمل القوى التقدمية أو الوسطية ومصالحة الناخب من جديد والاستعداد بصفة جدية للانتخابات القادمة ، وإلا فلا وسط ولا يسار، غير اليمين والموغل في اليمين والموغل في الشعبوية والفساد .. معركة لم شمل الوسط بكافة تشكيلاته وتفاصيله على أسس ثابتة غير متهرئة تتعظ من مصير النداء التاريخي، وتأخذ بعين الاعتبار ذكاء التونسي وفطنته الذي سئم من السياسة والسياسيين.. هو بمثابة، لاعقد سياسي فقط، وإنما اجتماعي واقتصادي وثقافي وخاصة أخلاقي، عقد ترفع فيه المصلحة العليا للدولة لا للأشخاص، عقد يذكّرنا بما مرت به تونس من خيبات، من أوجاع، من تضحيات.. وإلا فالطوفان سيغمر الجميع..
فلا معنى لقيم الجمهورية ولا للدولة المدنية، ما دامت الدولة لم تتجاوز مرحلة الخطر ومادامت هذه القيم لم تترسّخ بعد لا بالمؤسسات ولا بالسياسيين.. لربح هذه المعركة أيضا على السياسي أيضا أن يعيد التأمل في شخصيته، أن يقوم بالنقد الذاتي لنفسه، لخياراته، لتوجهاته، لأنّ معضلة السياسي التونسي، هي الأنا، يريد أن يكون البطل الواحد الأحد وتسلّط عليه الأضواء وينحني له القاصي والداني ويقبّل رأسه ويده ونهتف بحياته وندعو له بطول العمر ونتسابق لأخذ الصور معه ونهلل فرحاً برؤية وجهه الكريم .. بيت القصيد، على أصحاب الوسط أن يتأملوا هذا الوطن، أن يتذكروا جحور الأفاعي المتلونة التي تنتظر انهيار الدولة ووهنها، أن يؤمنوا بعقيدة دولة القانون والمؤسسات وإلا سنتآكل ونّؤكل كما أكل الثور الأبيض..
وأخيرا هم ليسوا بالأقوياء ولكن نحن من تشتتنا..