الاعلامي والناقد المصري رحاب الدين الهواري ل”التونسية”:لاتخلو دولة في العالم من صحافة النظام
تحدث الاعلامي والناقد المصري رحاب الدين الهواري عن واقع الاعلام في مصر وفي العالم العربي كما تحدث في هذا الحوار عن العديد من المواضيع والملفات التي تهم الساحة العربية.
*رحاب الدين الهواري لو تعرف بنفسك لقراء التونسية نات
_ رحاب الدين الهواري.. إعلامي وناقد مصري، لكن ربما تكون صفة «قارىء جيد» هي الأقرب إلى الحقيقة، والأحب إلى قلبي، فقد كانت القراءة هى هاجسي الأول منذ الطفولة، ولها الفضل فيما حققت من بعض طموحات كنت أتوق إليها يوما ما وأنا هناك، أيام الصبا، أستظل تحت شجرة بجوار ترعة جارية، في قريتي الصغيرة، أو ألعب مع الرفاق في الساحة الكبيرة حيث البراح يسع قلوبنا البريئة.. قبل أن تأخذنى العاصمة لتناقضاتها التي لا تتوقف عن العراك فتهزمك كثيرا وتنتصر عليها حينًا، غير أنك لا تقوى على الفكاك من أسرها، فتمتهنها وتمتهنك لتصبح ساحة جديدة تترك على أبوابها براءتك الأولى، متسلحًا بكل ما يقيم أودك ورجولتك وحياتك الجديدة التي لم تكن تعلم يومًا.. أنها سقط متاع، وأن الأمر لم يكن يستحق منك كل هذ الصراع.. ساعيًا لتحقق حلم قد تموت صريعًا من أجل الإبقاء عليه.. تلك هي الضريبة وعليك أن تكمل المشوار لنهايته دونما نظر لتراجيدية الطرح أو مأساوية الختام.
_ لو تحدثنا على منصبك كسفير اعلامي لكوريا الجنوبية
أن يكون الخير وإسعاد الآخرين والعمل من أجل سلام يسود الكون، حلم يتحقق فيه معنى الحياة ذاتها، ذلك هو الدور الذي كنت أنتظره يوما ما، ولأن العمل التطوعي هو أحد السبل لإنجاز هذا الحلم وذلك الخير.. جاء العمل تحت راية منظمة عالمية في كوريا الجنوبية باسم HWPL أو منظمة «دعم السلام ونبذ العنف»، والتي تعقد مؤتمرها السنوى بالعاصمة «سول»، وقد شاركت فيها كإعلامي قبل 5 سنوات، ثم أصبحت عضوا فيها قبل أن تمنحنى المنظمة في احتفال حضره أكثر من ألف صحافي وإعلامي من العالم كله، وبحضور رؤساء وزعماء أكثر من 140 دولة، منصب «السفير الإعلامي للمنظمة في مصر والشرق الاوسط» وقد استضفنا إحدى هذه الفعاليات بالقاهرة قبل عامين، ولاقت صدى كبيرًا على المستوى الإعلامي والحقوقي، وتسعى المنظمة لتحقيق 10 مواد و38 بنداً تتلخص في مبادئ تسوية النزاعات والتعاون الدولي لإحلال السلام، واحترام القانون الدولي وحث المجتمع المدني على دعم السلام وثقافته وتضمينه ضمن المشاريع والحملات المنفذة، والعمل على إنشاء قانون دولي يلتزم به الجميع للعيش في بيئة آمنة.
_ كيف ترى مسألة المساواة في الميرات في تونس؟
أن تعاني المرأة في تونس، أو في غيرها من البلدان، من التمييز في القانون والواقع الفعلي، وأن تفتقر إلى الحماية الكافية من العنف بسبب النوع، وألا يجرم قانون العقوبات، صراحةً الاغتصاب في إطار الزواج، كما يتيح للرجل، الذي اغتصب أنثى أن يفلت من المحاكمة إذا ما وافقت ضحيته على الزواج منه.. فهذا ما يستحق بالفعل أن تسن له القوانين ويعاد النظر فيه، أما أن تكون الدعوة إلى المساواة بين المرأة والرجل في كل المجالات بما فيها الإرث، وأن يسمح لها بالزواج من غير المسلم، ثم تؤيد ذلك، دار الإفتاء في تونس. فهنا خلط للدين بالسياسة، ولا علاقة له بالعلمانية، طالما كان الأمر معلوما من الدين بالضرورة ويتصادم – صراحة – مع أحكام الشريعة الإسلامية، حيث إن «المواريث مقسمة بآيات قطعية الدلالة لا تحتمل الاجتهاد ولا تتغير بتغيير الأحوال والزمان والمكان وهي من الموضوعات القليلة التي وردت في كتاب الله مفصلة لا مجملة»، غير أن جٌلَّ ما أخشاه أن الإدلاء برأي كهذا، أعتبره «شأنا داخليًا» لدولة أخرى، تملك وحدها تشريع ما يناسبها من قوانين، وللشعب وحده حق القبول والرفض في إطار حقوقي ومدني، لا يتعارض والشريعة الإسلامية في بلد تحتكم للقرآن والسنة في منهجها.
_ رأيك في ما نشره الأزهر حول الدولة التونسية وتنديده بما يحدث في تونس من تطورات دينية؟
حقيقة الأمر، أن الأزهر لم يختلق أزمة أو يفتعلها ليعطي نفسه حق التدخل في شئون دولة أخرى، وما حدث هو أن مفتي الديار المصرية شوقي علّام، رد على فتوى لأستاذ الفقه المقارن بالأزهر الدكتور سعد الدين الهلالي، أجازت ما اعتبره اجتهادا تونسيا «صحيحا» في المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث، سابقا لزمانه مقارنة بالأوضاع الاجتماعية في مصر، وهو ما وصفه علام بـ«الأمر المخالف للشريعة الإسلامية ولإجماع العلماء على مر العصور».
ولا يعد ما صرح به الهلالي، تنديدا بالتطورات الدينية فى تونس، – حسب سؤالك- بل على العكس، هو يمتدح تلك الخطوة ويباركها، برؤية شخصية يٌسأل هو فقط عنها، وليس الأزهر كمؤسسة دينية وتعليمية، وهو اختلاف فقهى نظر له الهلالي بنظره لم تتفق وفتوى علام، خاصة أن الأول رأى ما أقدمت عليه تونس «اجتهادًا» سابقا لعصره، وأن مصر «ستلحق بركب تونس بعد عشرين أو ثلاثين عاما»، فيما استشهد المفتي بأحكام الشريعة ونصوصها الصريحة، مشددًا على أن «المرأة في نظر الإسلام وشرعه كالرجل تماما، لها ما للرجل من الحقوق، وعليها ما عليه من الواجبات»، موضحًا «أن المرأة في الدين لها أكثر من ثلاثين حالة في الميراث، وقد أعطاها الشرع في كثير من الأحيان أكثر مما أعطى الرجل»..
_ هل هناك فعلا صحافة موالية للسطلة كما كانت قبل بمصر الان ام ان الوضع تغير؟
لا تخلو دولة في العالم كله، من وجود صحافة وإعلام يوالي السلطة، سواء تزامنت تلك الموالاه مع ثورة الشعب أو سبقته، أو حتى كانت إحدى إرهاصاته.. وفي مصر.. على مر عصورها، منذ عهد الملكية، ومنذ دخول الصحافة إليها، كانت الصحف المعارضة تعمل جنبا إلى جنب مع تلك الموالية للحاكم، تتفق فى مجملها على أن مصلحة الوطن فوق الجميع، وهو ما ظهر جليا فى الصحف الصادرة إبان الأيام الاولى لثورة 25 يناير، عندما اتفقت الصحف الموالية والمعارضة على أن «الورد اللي فتح في جناين مصر» هو بطل المرحلة، وليس غيره.. وخلال عام أسود من حكم الإخوان، غيرت بعض الصحف المستقلة والخاصة من وجهتها وباتت موالية للسلطة وهو ما لفظته الجماهير شكلا وفي المضمون فيما بعد، حتى باتت كالراقص على سلم حاد، فلا استمتع به أحد، ولا استطاع هو الفكاك من أسر «سالومي» تلفظ أنفاسها في رقصة أخيرة.
وفي الوقت الراهن، تزامنا مع حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي، صار لزاما على الجميع، ونحن فى مرحلة بناء وتنمية حقيقية، بعد عام حالك، كاد أن يأتي على الأخضر واليابس، أن تتكاتف الجهود وتتفق الرؤى التى كانت على طرفي النقيض يوما ما، من أجل صالح البلاد، ومن أجل صالح أجيال ظلت مخدوعة لسنوات طوال قبل أن تنكشف الغمة.
_ بما ان تونس بدأت الربيع العربي الذي انتقل لمصر بعد أشهر قليلة، ماهو رأيك الخاص من الثورات التي حصلت والتي لازالت قائمة في بعض الدول كسوريا واليمن؟
ثروات الربيع العربي استحقت في بداياتها هذا الاسم، خاصة بعد نجاح ثورتي تونس ومصر تباعًا، لكن ما حدث في ليبيا أو سوريا واليمن، لا يمكن وصفه بالثورة من الأساس. انظر ما آلت إليه ليبيا الآن.. وما حاق بها من دمار وخسائر بالملايين، ربما لو فكر الذين أطلقوا شرارتها الأولى فيما يمكن أن تكون عليه، لندموا ألف مرة قبل أن يثوروا.. إنهم كالثائرون نيامًا، أرادوا الوقوف فى طابور طويل سبقهم غليه غيرهم فقلدوه، دون أن يسألوا أنفسهم.. ترى ماذا هناك فى نهاية الطابور؟
أما سوريا واليمن، فالأمر كان أبعد بكثير من فكرة الثورة.. مخططات خارجية وأجندات شارك بتنفيذها أهل تلك البلاد، في غفلة منهم، أو بتوقع خاطىء، من أجل مصالح شخصية فقط، ومجد زائف لم يتحقق لأولئك ولم يتسن لهؤلاء.
_ رحاب الدين الهواري كصحفي ومقدم برامج تلفزية هل ترى تطورا في الميدان الاعلامي العربي وكيف ذلك؟
الإعلام العربي يحبو في زمن التكنولوجيا والانترنت، ويتحرك بمنطق السلحفاة، في عالم تقني مذهل، بات يقاس فيه الزمن بالفيمتو ثانية لا بالساعة والأيام والأسابيع كما كان من قبل.. خطوات بطيئة هنا تتحرك نحو الرؤى الجديدة ، وبعض لهاث هناك يسعى للتواجد فى المنظومة العالمية، غير أنه لا يمكن أن تحكم قبضتك على تجربة تقترب من العاليمة، أو حتى تسير في ركابها.. السعي حثيث على كل المستويات.. لكنه ينتهج مقولة الحجاج بن يوسف «أسمع ضجيجا ولا أرى طحنًا».
_ رحاب الدين كصحفي هل هناك تمييز في الصحافة المصرية عندما يتعلق الأمر بمسيحي مصري ام ان مواطن الشغل للصحفي المسيحي هي نفسها للصحفي المسلم؟
تمييز ف الصحافة المصرية بين مسلم ومسيحي مى سات ووطنى اقباط متحدون
«الفتنة الطائفية».. كلمة مقيتة يلعب بها الإعلام الغربي في كل حادث غاشم لا فرق فيه بين مسلم ومسيحي في مصر.. وهو ما يتناوله الإعلام في مصر، على اختلاف وسائله بنفس المنطق والوحدة الوطنية، أما إذا كنت تقصد التمييز بين عمل الصحفى المسلم وزميله المسيحي، فدعني أقول لك.. إن قناة تصدرها الكنيسة المصرية باسم «مي سات» كنت ضيفا عليها لسنوات أقرأ فيها الصحف كل أسبوع دونما سؤال عن ديانتي وإلى أي إيديولوجية أنتمى.. ودون خطوط حمراء تقف حجر عثرة أمام ما أرغب في قوله أو التعليق عليه.. وفي مصر أيضًا جريدة «وطني» وهي مسيحية خالصة، يشارك فى تحريرها صحفيون مسلمون، كما أن موقع «أقباط متحدون» وهو من المواقع المتخصصة المعروفة عالميا يقوم على إدارته ويكتب فيه أحد أهم الكتاب الصحفيين والمدربين فى الوطن العربي، وهو الكاتب الكبير سعيد شعيب، المقيم في كندا وأسرته حاليا.
_ كلمة اخيرة للشعب التونسي وللصحافة التونسية
أقول للشعب التونسي.. «شكرا» باتساع الأفق.. لأنكم تعشقون الابتسامة في وجه ضيوفكم، لأنكم تجيبون على كل سؤال بمودة بالغة، حتى إن كان البعض يجيب على السؤال بمثله، شكرا لأن خفة الظل والمرح سمة هذا الشعب الطيب، مهما قست الظروف وطغت المواقف.. شكرا للشعب الراقي الباحث عن الأناقة والرقي.. العاشق للفن في كل صوره.. الشعب الثائر في لحظة اختيار صعبة، استطاع بها أن يقر «ربيعًا عربيًا» سيدونه التاريخ في سجلات لن تنسى.. شكرا لأنكم بالجوار…
وللقائمين على الصحافة التونسية أقول.. لا تلفتوا لأية حملات تحريضية أو سلبية ضد محاولة بناء الديمقراطية الفتية في تونس، ولتبق الكلمة نبراسًا يهدى الحائرين.. وأن تظل الحيادية منهجًا دونما تشرذم وفرقة.. ولتحفر كلمات «الشرقاوي» على صدر صفحاتكم الأولى..
«الكلمة نور .. وبعض الكلمات قبور.. وبعض الكلمات قلاع شامخة يعتصم بها النبل البشري.. الكلمة فرقان بين نبي وبغي.. بالكلمة تنكشف الغمة.. الكلمة نور.. ودليل تتبعه الأمة».