شباب من جبنيانة في حركة احتجاجية: أجساد طرّية في إضراب عن الطعام، وفصل جديد من فصول الظلم والحرمان من الحقوق
هل قدر الجهة أن تُسلّط عليها المظالم المتكرّرة، وأن يكون شبابها مرة أخرى أمام “دولة” لا تحترم القانون وتتهرّب من مسؤولياتها.
هذه المرة عادت الجهة الى الاحتجاج ليس للمطالبة بنفس المطالب وهي التشغيل، مثل كافة الجهات الاخرى المطالبة بالتنمية وبالتمييز الايجابي، من خلال دخول عدد من الشباب في اضراب عن الطعام منذ اكثر من اسبوع.
“شهيد”… الجسد الطري
جسده الطريّ، ووجهه الطفولي وابتسامته الواسعة التي لا تفارقه، خبأت مأساة يعيشها الشاب شهيد نعمان ذي الثلاثين ربيعا منذ أكثر من 9 أشهر.
جسده النحيل وصغر سنه حملا بين طياته قصة معاناة ربّ بيت يبحث عن لقمة العيش الشريف، هو متزوج وله بنتان، يمنى 3 سنوات ويسرى 8 اشهر، وعوض أن يكون بين بنتيه ويفضي عليها حنانه، فقد منعته “الدولة” من التواجد بينهما، ويضطرّ للدفاع عن حقه وعن عائلته.
تعود قصة “شهيد” الى 9 أشهر مضت، هو يعمل في اطار حظائر ما بعد الثورة في شركة النقل، أي منذ 2011، استحق يوما دفتر علاج، وعند توجهه الى المعتمدية، قامت الادارة بمماطلته وتسويفه، كغيره من عمال الحظائر، واضطر الى استخراج دفتر “فلاح” حتى يتمكن من معالجة بنتيه وزوجته.
بهذا السبب، وحسب دعاوى المعتمدية، تم حرمان “شهيد” من أجرته منذ فيفري الفارط، ورغم ذلك تحامل الشاب على نفسه، وقام بإلغاء دفتر العلاج، ليصبح غير مالك لمنافع عائلية وغير مالك لدفتر علاج، والوثائق تقرّ ذلك، ولكن للاسف لم يتم ارجاع شهيد الى عمله وعدم صرف مستحقاته المالية.
وخاض شهيد اضرابا عن الطعام خلال ذلك، قبل أن يتم رفع اضرابه بعد اتفاق مع والي صفاقس ومعتمد الجهة والعمدة والاتحاد المحلي للشغل بجبنيانة والاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس للعودة الى عمله وخلاص مستحقاته المتأخرة…لكن، مرة أخرى ظهرت المصالح المعنية في الدولة خارج التاريخ تماما، بعدم احترام الاتفاق المذكور ومواصلة حرمان الشاب من عمله ومستحقاته، وسط ذهول الجميع.
يقول “شهيد” لجريدة “الشعب” : قدرنا نحن شباب جبنيانة النضال الى اخر رمق ضد “الحقرة” والظلم وضد التهميش، ولن نتنازل عن حقوقنا”.
تجاهلوه بعد أكثر من 3 سنوات عمل
في نفس الغرفة الضيّقة داخل المعتمدية، يقبع الشاب ماهر بوغرارة يعمل في مدرسة منطقة الجبارنة منذ سنة 2010، قام بتعويض والدته التي كانت تعمل منظفة في المدرسة بسب مرض مزمن ألّم بها.
والده كان يعمل عونا في المدرسة نفسها، ولقي مصرعه في حادث مرور أثناء عمله، والى الآن لم تتحصل عائلته على أي شيء وفقا للقانون، ولم تعترف الوزارة بذلك الحادث، وقامت الوزارة بتعيين زوجته، وكأنها تريد إسكات العائلة عن تعويضات الحادث، بل أصلا لم يتم التعرف عن قاتل والده الى الان.
مع سنة 2010 عوّض ماهر والدته، وكان يتحصل على أجرة بعد أشهر طويلة من العمل، وله ما يثبت ذلك.
في الاثناء اتصل الشاب بكل المصالح المعنية في الجهة من اجل تسوية وضعيته المهنية، وهو الذي اشتغل أكثر من ثماني سنوات في ظروف مهنية واجتماعية قاهرة، ولم يتلقّ غير الوعود، ليبقى 3 سنوات، منذ 2015 لم يتحصل على أجر.
وقد تضامن اهالي بلدته معه، وقاموا بخوض احتجاجات، جعلت والي الجهة يتصل به ويتعهد له بتسوية وضعيته في ظرف شهر.
ومنذ ذلك الوقت، اي منذ سنة، ذهبت وعود الوالي أدراج الرياح، مما اضطر ماهر الى الالتحاق بشهيد في الإضراب عن الطعام.
اوقفوه عن العمل تعسفيا
علي زراق، والد للاطفال محمد والزين وفاطمة، يعمل في اطار الحظيرة بدار الشباب منذ سنة 2011، ولم يتحصل على أجرته منذ اكثر من 9 أشهر بدعوى انه يتمتع بالضمان الاجتماعي، في ظل ظروف مادية واجتماعية قاسية.
لكن المفاجأة انه أظهر لنا شهادة من المصالح المختصة تفيد بأنه لا يتمتع بالضمان الاجتماعي خلافا لما لدعاوى سلطة الاشراف، مما يبين تعرضه لمظلمة غريبة.
ومع المضربين عن الطعام يقبع بجانبهم السيد ناجح السعفي في حركة احتجاجية تضامنية، مطلّق وله 3 بنات ، تم ايقافه عن العمل بوزارة المالية منذ سنوات بدعوى انه كان مطلوبا سابقا لدى العدالة بتهم ملفّقة حسب شهادات العديد، كما انه كان ضحية مؤامرة من طرف وزارة الخارجية عندما سافر سابقا من أجل العمل وبعد أن تعرّض لحادث شغل ولم يتمتع بحقوقه المهنية والاجتماعية التي يكفلها القانون، مما تسبب له ذلك في امراض عديدة يعاني منها الى الان.
مطلبه الان العودة الى العمل، واكد انه قدم قضية للمحكمة الادارية، ويدعو السلطات لانصافه ورفع النظلمة عنه وعن عائلته…
أين السلطات؟
تأكدت في حواراتي مع المضربين عن الطعام، أنهم لم يتلقوا اي اتصال من أي جهة رسمية لسؤالهم عن حركتهم الاحتجاجية السلمية رغم انهم ينفذون اضرابهم في مقر المعتمدية.
فلا المعتمد أو الوالي أو أي وزارة أو حتى الامن العام اتصل بهم بشكل رسمي، بل ان الاتحاد المحلي للشغل الى حدود كتابة هذه الاسطر لم يتصل بهم رغم أنه أمضى سابقا على محضر اتفاق بشأن شهيد نعمان…وهو أمر يبعث عن الاستغراب والضحك أيضا من سلطات محلية وجهوية غائبة تماما عن مشهد اجتماعي متوتر من المفروض ان تتدخّل وتضع الامور في نصابها وتُنصف المظلومين…
وأنا افكّر مع نفسي، اذا كانت السلطات ومن يهمه الامر لا علم لها بما يحدث في جبنيانة فتلك كارثة، أما اذا كانت على علم وتتجاهل المسألة فتلك كارثتين، خاصة وان صحتهم في تدهور مستمر.
وفي كل الحالات، فان الحركة الاحتجاجية لشهيد ورفاقه ( شهيد هو ابن احدى القامات المناضلة في تونس وفي فلسطين/ منصور نعمان أبو شاهين)، قد لقيت كالعادة مساندة تضامنية واسعة من جبنيانة ومن خارجها، من حقوقيين ونقابيين وسياسيين واعلاميين ومعطّلين عن العمل، وهي مساندة عودتنا بها جبنيانة التي تتمتع بمشهد سياسي وحقوقي وجمعياتي استثنائي، مشهد ينتظر التوحد والعمل المشترك العميق أكثر من اي وقت، ويحتاج الى الابتعاد عن المماحكاة التي لا طائل منها، من أجل التصدي ومقاومة خيارات اقتصادية واجتماعية وسياسية من حكومة لا شعبية ولا وطنية.
ريبورتاج : صبري الزغيدي
المصدر:جريدة الشعب